كتاب الحجّ‌ برو به برنامه

فصل في فضل الحجّ

الّذي هو أحد أركان الدين و من أوكد فرائض المسلمين (1)؛ قال اللّه تعالى: «و للّه على‌

______________________________
(1) مكارم الشيرازي: و قد أشار في المتن إلى بعض مثوباته و بعض عقوبات التارك له. و ينبغي أن يلاحظ إلى جنب هذه المثوبات العظيمة الجليلة، العلل الّتي لأجلها شرّع الحجّ ثمّ العمل بما يقرّب الحاجّ إلى تحصيلها و الوصول إلى مغزاها، فقد قال اللّه تعالى: «ليشهدوا منافع لهم» فما هذه المنافع؟ و هي كثيرة اشير إليها في روايات المعصومين عليهم السلام؛ منها: تربية النفوس و تهذيب الأخلاق و تحكيم مباني التقوى و الخلوص و الخروج عن الذنوب كيوم ولدته امّه، و التهيّؤ لتركها في مستقبل أيّامه. و هذا من أعظم منافع الحجّ و أهمّ فوائده و بركاته، و لا يحصل ذلك إلّا بذكرى أسرار هذا التشريع العظيم وفق ما ورد في روايات المعصومين: و يشهد به تاريخ شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فإنّه المؤسّس له بأمر من اللّه تعالى، و كثير من أفعال الحجّ حاكية عن وقفات حياته و مسيره إلى ربّه و الاندفاع إلى طاعته و قبول بلائه. فلو أنّ عبداً خرج إلى الحجّ عالماً بهذه الأسرار الخفيّة ملازماً لما يقتضيها مجاهداً مخلصاً وافداً إلى اللّه، لأثّر الحجّ في نفسه أثراً لا يزول إلى آخر عمره و طيلة حياته، و يطهره طهارة تبقى إلى يوم يلقى ربّه. و إلى جانب تأثير الحجّ في طهارة النفوس و تزكية الأرواح أثره السياسيّ القويّ في تحكيم الدين و عزّ المسلمين و مزيد شوكتهم و توحيد كلمتهم و جعلهم في مقابل الأعداء صفّاً واحداً كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ، مع ما فيه من النظر في مشاكل المسلمين و ما ابتلوا به من الأعداء و كشف طرق دفعهم و تحصيل العِدّة و العُدّة في مقابلهم، فإنّ الحجّ موقف كبير لا نظير له في الدنيا، و قد كان نبيّنا صلى الله عليه و آله يغتنم هذه الفرصة الكريمة لدفع الشرك و الضلال و قصم ظهر أهل النفاق و الشقاق. و من المؤسف جدّاً أنّ المسلمين لا ينتفعون من الحجّ من هذه الناحية، بل و لا من الناحية الأخلاقيّة، بل يكتفون بظواهر منه و بقي الحجّ بين كثير منهم كجسد لا روح فيه و بنيان لا أهل له و كفاك في ذلك ما قاله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عند بيان أسرار الأحكام: «فرض اللّه الإيمان تطهيراً من الشرك و الصلاة تنزيهاً عن الكبر ... و الحجّ تقربة للدين أو تقوية للدين» (نهج البلاغة: الحكمة 252) و قد يقال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام فيما رواه عنه الفضل بن شاذان في حديث قال: إنّما امروا بالحجّ لعلّة الوفادة إلى اللّه- عزّ و جلّ- و طلب الزيادة و الخروج من كلّ ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل ... مع الخضوع و الاستكانة و التذلّل. مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع لجميع من في شرق الأرض و غربها و من في البرّ و البحر ممّن يحجّ و من لم يحجّ من بين تاجر و جالب و بايع و مشترٍ و كاسب و مسكين و مكار و فقير، و قضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه. مع ما فيه من التفقّه و نقل أخبار الأئمّة: إلى كلّ صقع و ناحية، كما قال اللّه- عزّ و جلّ-: «فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون و ليشهدوا منافع لهم» (وسائل الشيعة، ج 8 كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ، الباب 1 الحديث 15). و قال الصادق عليه السلام فيما رواه هشام بن الحكم عنه في جواب السؤال عن علّة تكليف العباد بالحجّ: «إنّ اللّه خلق الخلق ... و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا و لينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ... و لتعرف آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله و تعرف أخباره و يذكر و لا ينسى، و لو كان كلّ قوم إنّما يتّكلون على بلادهم و ما فيها هلكوا و خربت البلاد و سقطت الجلب و الأرباح و عميت الأخبار و لم تقفوا على ذلك؛ فذلك علّة الحجّ (نفس المصدر، الحديث 18). فعلّة وجوب الحجّ ترتكز على جهات أربع: أخلاقيّة و سياسيّة و اقتصاديّة و ثقافيّة، وفقاً لما روي عن أهل بيت العصمة عليهم السلام‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 254‌

الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا». غير خفيّ على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد و ضروب الحثّ و التشديد و لا سيّما ما عرّض به تاركه من لزوم كفره و إعراضه عنه بقوله- عزّ شأنه-: «و من كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين». و عن الصادق عليه السلام في قوله- عزّ من قائل-: «من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضلّ سبيلًا» «ذاك الّذي يسوّف الحجّ، يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت»، و عنه عليه السلام:

«من مات و هو صحيح موسر لم يحجّ، فهو ممّن قال اللّه تعالى: «و نحشره يوم القيامة أعمى»» و عنه عليه السلام: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً» و في آخر: «من سوّف الحجّ حتّى يموت، بعثه اللّه يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً» و في آخر: «ما تخلّف رجل عن‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 255‌

الحجّ إلّا بذنب، و ما يعفو اللّه أكثر» و عنهم: مستفيضاً: «بُني الإسلام على خمس: الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصوم و الولاية».

و الحجّ، فرضه و نفله عظيم فضله، خطير أجره، جزيل ثوابه، جليل جزاؤه، و كفاه ما تضمّنه من وفود العبد على سيّده و نزوله في بيته و محلّ ضيافته و أمنه؛ و على الكريم إكرام ضيفه و إجارة الملتجئ إلى بيته؛ فعن الصادق عليه السلام: «الحاجّ و المعتمر وفد اللّه، إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفعوا شفّعهم، و إن سكتوا بدأهم، و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» و عنه عليه السلام: «الحجّ و العمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللّازم لهما في ضمان اللّه، إن أبقاه أدّاه إلى عياله، و إن أماته أدخله الجنّة» و في آخر: «إن أدرك ما يأمل غفر اللّه له، و إن قصر به أجله وقع أجره على اللّه- عزّ و جلّ-» و في آخر: «فإن مات متوجّهاً غفر اللّه له ذنوبه، و إن مات محرماً بعثه ملبّياً، و إن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين، و إن مات منصرفاً غفر اللّه له جميع ذنوبه» و في الحديث: «إنّ من الذنوب ما لا يكفّره إلّا الوقوف بعرفة» و عنه صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي توفّي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف: «يا أبا ذر! اجلس بين يدىّ أعقد بيدك؛ من ختم له بشهادة أن لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة- إلى أن قال:- و من ختم له بحجّة دخل الجنّة، و من ختم له بعمرة دخل الجنّة ...» الخبر. و عنه صلى الله عليه و آله: «وفد اللّه ثلاثة: الحاجّ و المعتمر و الغازي، دعاهم اللّه فأجابوه و سألوه فأعطاهم». و سأل الصادق عليه السلام رجل في المسجد الحرام من أعظم الناس وزراً، فقال: «من يقف بهذين الموقفين: عرفة و المزدلفة، و سعى بين هذين الجبلين ثمّ طاف بهذا البيت و صلّى خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثمّ قال في نفسه و ظنّ أنّ اللّه لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزراً»، و عنهم::

«الحاجّ مغفور له و موجوب له الجنّة، و مستأنف به العمل، و محفوظ في أهله و ماله؛ و إنّ الحجّ المبرور لا يعدله شي‌ء و لا جزاء له إلّا الجنّة؛ و إنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته امّه، و إنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيّئات إلّا أن يأتي بموجبه، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس. و إنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النار، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ. و إنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل اللّه به ملكين يحفظان عليه طوافه و‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 256‌

صلاته و سعيه، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن، ثمّ قالا: أمّا ما مضى فقد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» و في آخر: «و إذا قضوا مناسكهم قيل لهم: بَنَيتُم بنياناً فلا تنقضوه، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» و في آخر: «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه، فيقول: يا هذا! أمّا ما قد مضى فقد غفر لك، و أمّا ما يستقبل فجدّ» و في آخر: «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى، نادى منادٍ: لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» و في آخر: «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت». و عن الثمالي قال: قال رجل لعليّ بن الحسين عليه السلام: تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحجّ و لينه؟ فكان متّكئاً فجلس و قال: «ويحك! أما بلغك ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع؟ إنّه لمّا وقف بعرفة و همّت الشمس أن تغيب، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليهم السلام يا بلال! قل للناس فلينصتوا، فلمّا أنصتوا قال: إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم، فغفر لمحسنكم و شفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم». و قال النبيّ صلى الله عليه و آله لرجل مميل فاته الحجّ و التمس منه ما به ينال أجره: «لو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللّه تعالى، ما بلغت ما يبلغ الحاجّ. و قال: إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً و لم يضعه، إلّا كتب اللّه له عشر حسنات و محا عنه عشر سيّئات و رفع له عشر درجات، و إذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً و لم يضعه إلّا كتب اللّه له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه؛ قال: فعدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كذا و كذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه؛ ثمّ قال: أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ؟». و قال الصادق عليه السلام عليهم السلام «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة، بل سبعين رقبة»، بل ورد: «أنّه إذا طاف بالبيت و صلّى ركعتيه، كتب اللّه له سبعين ألف حسنة و حطّ عنه سبعين ألف سيّئة و رفع له سبعين ألف درجة و شفّعه في سبعين ألف حاجة و حسب له عتق سبعين ألف رقبة، قيمة كلّ رقبةٍ عشرة آلاف درهم؛ و إنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللّه تعالى؛ و إنّه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط، بل من كلّ شي‌ء ما عدا الصلاة»، بل في خبر آخر: «إنّه أفضل من الصلاة أيضاً» و لعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 257‌

الّتي هي أجمع العبادات، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة و الصلاة ليس فيها حجّ، أو لكونه أشقّ من غيره و أفضل الأعمال أحمزها، و الأجر على قدر المشقّة.

و يستحبّ تكرار الحجّ و العمرة و إدمانهما بقدر القدرة؛ فعن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: تابعوا بين الحجّ و العمرة فإنّهما ينفيان الفقر و الذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد» و قال عليه السلام: «حجّ تترى و عمرة تسعى يدفعن عيلة الفقر و ميتة السوء». و قال عليّ بن الحسين عليه السلام: «حجّوا و اعتمروا تصحّ أبدانكم و تتّسع أرزاقكم و تكفون مئونة عيالكم». و كما يستحبّ الحجّ بنفسه، كذا يستحبّ الإحجاج بماله؛ فعن الصادق عليه السلام: «أنّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله أو بعض مواليه، و يقول لنا: يا بنيّ إن استطعتم فلا يقف الناس بعرفات إلّا و فيها من يدعو لكم، فإنّ الحاجّ ليشفع في ولده و أهله و جيرانه». و قال عليّ بن الحسين عليه السلام (1) لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أنّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله: «فأيقن بكثرة المال و البنين، أو أبشر بكثرة المال». و في كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام، و يظهر من جملة منها أنّ تكرارها ثلاثاً أو سنةً و سنةً لا إدمان. و يكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين، و في عدّة من الأخبار: «إنّ من أوسع اللّه عليه و هو موسر و لم يحجّ في كلّ خمس- و في رواية: أربع- سنين إنّه لمحروم». و عن الصادق عليه السلام: «من أحجّ أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر».

مقدّمة في آداب السفر و مستحبّاته، لحجّ أو غيره

مقدّمة في آداب السفر و مستحبّاته، لحجّ أو غيره و هي امور:

أوّلها: و من أوكدها الاستخارة، بمعنى طلب الخير من ربّه و مسألة تقديره له، عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً؛ و الأمر بها للسفر و كلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض، و لا سيّما عند الحيرة و الاختلاف في المشورة؛ و هي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره، و هذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفؤّل و المشاورة بالرقاع و الحصى و السبحة و البندقة و غيرها، لضعف غالب أخبارها و إن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً؛ بخلاف هذا‌

______________________________
(1). الخوئي: هذا من سهو القلم، فإنّ الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السلام‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 258‌

النوع، لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله الأمر بها و الحثّ عليها. و عن الباقر و الصادق عليهما السلام: «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن» و عن الباقر عليه السلام: «أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق»، بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة و إنّه من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يوجر، و في كثير منها: «ما استخار اللّه عبد مؤمن إلّا خار له و إن وقع ما يكره» و في بعضها: «إلّا رماه اللّه بخير الأمرين»؛ و في بعضها: «استخر اللّه مائة مرّة و مرّة، ثمّ انظر أجزم الأمرين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه تعالى» و في بعضها: «ثمّ انظر أىّ شي‌ء يقع في قلبك فاعمل به». و ليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه و طلب الخير من عنده و بناء منه أنّ خيره فيما يختاره اللّه له من أمره. و يستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ليكون بدء مشورته منه سبحانه، و أن يقرنه بطلب العافية؛ فعن الصادق عليه السلام: «و ليكن استخارتك في عافية فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله». و أخصر صورة فيها أن يقول: أستخير اللّه برحمته أو أستخير اللّه برحمته خيرةً في عافية، ثلاثاً أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة أو مائة مرّة و مرّة، و الكلّ مرويّ؛ و في بعضها: في الامور العظام مائة و في الامور اليسيرة بما دونه. و المأثور من أدعيته كثيرة جدّاً، و الأحسن تقديم تحميد و تمجيد و ثناء و صلوات و توسّل و ما يحسن من الدعاء عليها. و أفضلها بعد ركعتين للاستخارة أو بعد صلوات فريضة، أو في ركعات الزوال أو في آخر سجدة من صلاة الفجر أو في آخر سجدة من صلاة الليل أو في سجدة بعد المكتوبة، أو عند رأس الحسين عليه السلام أو في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله، و الكلّ مرويّ؛ و مثلها كلّ مكان شريف قريب من الإجابة كالمشاهد المشرّفة، أو حال أو زمان كذلك. و من أراد تفصيل ذلك، فليطلبه من مواضعه كمفاتيح الغيب للمجلسيّ قدس سره و الوسائل و مستدركه.

و بما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة و أنّها محض الدعاء و التوسّل و طلب الخير و انقلاب أمره إليه، و بما عرفت من عمل السجّاد عليه السلام في الحجّ و العمرة و نحوها، يعلم أنّها راجحة للعبادات أيضاً، خصوصاً عند إرادة الحجّ، و لا يتعيّن فيما يقبل التردّد و الحيرة؛

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 259‌

و لكن في رواية اخرى: «ليس في ترك الحجّ خيرة»، و لعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحجّ أو للواجب منه.

ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الاسبوع و الشهر، فمن الاسبوع يختار السبت و بعده الثلاثاء و الخميس، و الكلّ مرويّ. و عن الصادق عليه السلام: «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت، فلو أنّ حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه اللّه إلى مكانه». و عنهم عليهم السلام: «السبت لنا، و الأحد لبني اميّة». و عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «اللّهم بارك لُامّتي في بكورها يوم سبتها و خميسها». و يتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، و الأحد، فقد روي: «أنّ له حدّاً كحدّ السيف»، و الاثنين فهو لبني اميّة، و الأربعاء فإنّه لبني العبّاس، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر فإنّه يوم نحس مستمرّ؛ و في روايةٍ: ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة «هل أتى» في أوّل ركعة من غداته، فإنّه يقيه اللّه به من شرّ يوم الاثنين؛ و ورد أيضاً اختيار يوم الاثنين، و حملت على التقيّة. و ليتجنّب السفر من الشهر و القمر في المحاق أو في برج العقرب أو صورته، فعن الصادق عليه السلام: «من سافر أو تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى». و قد عدّ أيّام من كلّ شهر و أيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها و من ابتداء كلّ عمل بها، و حيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها و إن كان التجنّب منها و من كلّ ما يتطيّر بها أولى؛ و لم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربيّة، و قد يوجّه كلٌّ بوجه غير وجيه، و على كلّ حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكّل و المضيّ، خلافاً على أهل الطيرة، فعن النبيّ صلى الله عليه و آله: «كفّارة الطيرة التوكّل» و عن أبي الحسن الثاني عليه السلام: «من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة، وقي من كلّ آفة و عوفي من كلّ عاهة و قضى اللّه حاجته»؛ و له أن يعالج نحوسة ما نحس من الأيّام بالصدقة، فعن الصادق عليه السلام:

«تصدّق و اخرج أىّ يوم شئت» و كذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما يتطيّر به الناس و وجد في نفسه من ذلك شيئاً، و ليقل حينئذٍ: «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني» و ليتوكّل على اللّه و ليمض خلافاً لأهل الطيرة.

و يستحبّ اختيار آخر الليل للسير، و يكره أوّله، ففي الخبر: «الأرض تطوي من آخر الليل» و في آخر: «و إيّاك و السير في أوّل الليل و سر في آخره».

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 260‌

ثالثها: و هو أهمّها، التصدّق بشي‌ء عند افتتاح سفره؛ و يستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام و الأحوال، ففي المستفيضة رفع نحوستها بها، و ليشتري السلامة من اللّه بما يتيسّر له. و يستحبّ أن يقول عند التصدّق: «اللّهم إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة سفري، اللّهم احفظني و احفظ ما معي و سلّمني و سلّم ما معي و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل».

رابعها: الوصيّة عند الخروج، لا سيّما بالحقوق الواجبة.

خامسها: توديع العيال، بأن يجعلهم وديعة عند ربّه و يجعله خليفة عليهم؛ و ذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، و يقول: «اللّهم إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذرّيّتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي»؛ فعن الصادق عليه السلام: «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها، و لم يدع بذلك الدعاء إلّا أعطاه اللّه- عزّ و جلّ- ما سأل».

سادسها: إعلام إخوانه بسفره؛ فعن النبيّ صلى الله عليه و آله: «حقّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يعلم إخوانه، و حقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه».

سابعها: العمل بالمأثورات، من قراءة السور و الآيات و الأدعية عند باب داره، و ذكر اللّه و التسمية و التحميد و شكره عند الركوب و الاستواء على الظهر و الإشراف و النزول و كلّ انتقال و تبدّل حال؛ فعن الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفره إذا هبط سبّح و إذا صعد كبّر»، و عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «من ركب و سمّى، ردفه ملك يحفظه، و من ركب و لم يسمّ ردفه شيطان يمنّيه حتّى ينزل».

و منها: قراءة القدر للسلامة حين يسافر أو يخرج من منزله أو يركب دابّته، و آية الكرسيّ و السخرة و المعوّذتين و التوحيد و الفاتحة و التسمية و ذكر اللّه في كلّ حال من الأحوال.

و منها: ما عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له، و يقرأ الحمد و المعوّذتين و التوحيد و آية الكرسيّ أمامه و عن يمينه و عن شماله، و يقول: اللّهم احفظني و احفظ ما معي و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل؛ يحفظ و يبلغ و يسلم‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 261‌

هو و ما معه».

و منها: ما عن الرضا عليه السلام: «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر، فقل: بسم اللّه و باللّه توكّلت على اللّه ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلّا باللّه؛ تضرب به الملائكة وجوه الشياطين و تقول: ما سبيلكم عليه و قد سمّى اللّه و آمن به و توكّل عليه؟»‌

و منها: ما كان الصادق عليه السلام يقول إذا وضع رجله في الركاب: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين» و يسبّح اللّه سبعاً و يحمده سبعاً و يهلّله سبعاً. و عن زين العابدين عليه السلام: «أنّه لو حجّ رجل ماشياً و قرأ «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» ما وجد ألم المشي» و قال: «ما قرأه أحد حين يركب دابّته إلّا نزل منها سالماً مغفوراً له، و لقارئها أثقل على الدوابّ من الحديد». و عن أبي جعفر عليه السلام: «لو كان شي‌ء يسبق القَدَرَ، لقلت: قارئ «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» حين يسافر أو يخرج من منزله». و المتكفّل لبقيّة المأثور منها على كثرتها، الكتب المعدّة لها. و في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله: «يا عليّ إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: اللّهم إنّى أسألك خيرها و أعوذ بك من شرّها، اللّهم حبّبنا إلى أهلها و حبّب صالحي أهلها إلينا» و عنه صلى الله عليه و آله: «يا عليّ إذا نزلت منزلًا فقل: اللّهم أنزلني منزلًا مباركاً و أنت خير المنزلين؛ ترزق خيره و يدفع عنك شرّه». و ينبغي له زيادة الاعتماد و الانقطاع إلى اللّه سبحانه، و قراءة ما يتعلّق بالحفظ، من الآيات و الدعوات و قراءة ما يناسب ذلك، كقوله تعالى: «كلّا إنّ معي ربّي سيهدين» و قوله تعالى: «إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا» و دعاء التّوجّه و كلمات الفرج و نحو ذلك. و عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «يسبّح تسبيح الزهراء و يقرأ آية الكرسيّ عند ما يأخذ مضجعه في السفر؛ يكون محفوظاً من كلّ شي‌ء حتّى يصبح».

ثامنها: التحنّك، بإدارة طرف العمامة تحت حنكه؛ ففي المستفيضة عن الصادق و الكاظم عليهما السلام: «الضمان لمن خرج من بيته معتمّاً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً و أن لا يصيبه السرق و لا الغرق و لا الحرق».

تاسعها: استصحاب عصا من اللوز المرّ؛ فعنه عليه السلام: «من أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا» و النقد: عصا لوز مرّ؛ و فيه نفي للفقر و أمان من الوحشة و الضواري و ذوات الحمّة. و ليصحب شيئاً من طين الحسين عليه السلام ليكون له شفاء من كلّ داء و‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 262‌

أماناً من كلّ خوف. و يستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه: ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه أستغفر اللّه و على الجانب الآخر: محمّد و عليّ، و خاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه: اللّه الملك و على الجانب الآخر: الملك للّه الواحد القهّار.

عاشرها: اتّخاذ الرفقة في السفر؛ ففي المستفيضة الأمر بها و النهي الأكيد عن الوحدة؛ ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «لا تخرج في سفرٍ وحدك، فإنّ الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد» و «لعن ثلاثة: الآكل زاده وحده، و النائم في بيتٍ وحده، و الراكب في الفلاة وحده». و قال: «شرّ الناس من سافر وحده، و منع رفده، و ضرب عبده؛ و أحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة؛ و ما زاد على سبعة إلّا كثر لغطهم، أي تشاجرهم؛ و من اضطرّ إلى السفر وحده، فليقل: ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، اللّهم آمن وحشتي و أعنّي على وحدتي و أدّ غيبتي». و ينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق، و يكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك؛ و أن يصحب من يتزيّن به و لا يصحب من يكون زينته له. و يستحبّ معاونة أصحابه و خدمتهم و عدم الاختلاف معهم و ترك التقدّم على رفيقه في الطريق.

الحادي عشر: استصحاب السفرة و التنوّق فيها و تطييب الزاد و التوسعة فيه، لا سيّما في سفر الحجّ. و عن الصادق عليه السلام: «إنّ من المروّة في السفر كثرة الزاد و طيبه، و بذله لمن كان معك»؛ نعم، يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين عليه السلام، بل يقتصر فيه على الخبز و اللبن لمن قرب من مشهده كأهل العراق، لا مطلقاً في الأظهر، فعن الصادق عليه السلام: «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء و الأخبصة و أشباهه، و لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» و في آخر: «تاللّه إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، و تأتونه أنتم بالسفر، كلّا حتّى تأتونه شعثاً غبراً».

الثاني عشر: حسن التخلّق مع صحبه و رفقته؛ فعن الباقر عليه السلام: «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه، أو حلم يملك به غضبه، أو ورع يحجزه عن معاصي اللّه». و في المستفيضة: «المروّة في السفر ببذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير المعاصي» و في بعضها: «قلّة الخلاف على من صحبك، و ترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم». و عن الصادق عليه السلام: «ليس من المروّة أن يحدّث الرجل بما يتّفق في السفر‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 263‌

من خير أو شرّ»، و عنه عليه السلام: «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك و كفّ لسانك، و اكظم غيظك و أقلّ لغوك و تفرش عفوك و تسخي نفسك».

الثالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح و الآلات و الأدوية، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه، و ليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة.

الرابع عشر: إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً؛ فعن النبيّ صلى الله عليه و آله: «إذا كنت في سفر و مرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيّام» و عن الصادق عليه السلام: «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض، ثلاثاً».

الخامس عشر: رعاية حقوق دابّته؛ فعن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: للدابّة على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها، و لا يقف على ظهرها إلّا في سبيل اللّه، و لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلّفها من المشي إلّا ما يطيق» و في آخر: «و لا تتورّكوا على الدوابّ و لا تتّخذوا ظهورها مجالس» و في آخر: «و لا يضربها على النفار، و يضربها على العثار، فإنّها ترى ما لا ترون».

و يكره التعرّس على ظهر الطريق و النزول في بطون الأودية و الإسراع في السير و جعل المنزلين منزلًا إلّا في أرض جدبة، و أن يطرق أهله ليلًا حتّى يعلمهم. و يستحبّ إسراع عوده إليهم و أن يستصحب هديّة لهم إذا رجع إليهم؛ و عن الصادق عليه السلام: «إذا سافر أحدكم فقدّم من سفره فليأت أهله بما تيسّر و لو بحجر ...» الخبر.

و يكره ركوب البحر في هيجانه؛ و عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا اضطرب بك البحر فاتّكِ على جانبك الأيمن و قل: بسم اللّه أسكن بسكينة اللّه و قرّ بقرار اللّه و اهدأ بإذن اللّه و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه».

و لينادي إذا ضلّ في طريق البرّ: «يا صالح يا أبا صالح! أرشدونا رحمكم اللّه» و في طريق البحر: «يا حمزة». و إذا بات في أرض قَفر، فليقل: «إن ربّكم [اللّه] الّذي خلق السماوات و الأرض ثمّ استوى» إلى قوله: «تبارك اللّه ربّ العالمين».

و ينبغي للماشي أن ينسل في مشيه، أي يسرع؛ فعن الصادق عليه السلام: «سيروا و انسلوا فإنّه أخفّ عنكم» «و جاءت المشاة إلى النبي صلى الله عليه و آله فشكوا إليه الإعياء، فقال: عليكم بالنسلان،

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 264‌

ففعلوا فذهب عنهم الإعياء». و أن يقرأ سورة القدر لئلّا يجد ألم المشي، كما مرّ عن السجّاد عليه السلام. و عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء» و في نسخة: «جفاء» و في اخرى: «حنان»؛ و ليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لوناً و ألينها تربةً و أكثرها عشباً. هذه جملة ما على المسافر.

و أمّا أهله و رفقته، فيستحبّ لهم تشييع المسافر و توديعه و إعانته و الدعاء له بالسهولة و السلامة و قضاء المآرب عند وداعه. قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «من أعان مؤمناً مسافراً فرّج اللّه عنه ثلاثاً و سبعين كربة و أجاره في الدنيا و الآخرة من الغمّ و الهمّ و نفّس كربه العظيم يوم يعضّ الناس بأنفاسهم» و كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا ودّع المؤمنين قال:

«زوّدكم اللّه التقوى و وجّهكم إلى كلّ خير و قضى لكم كلّ حاجة و سلّم لكم دينكم و دنياكم و ردّكم سالمين إلى سالمين» و في آخر: «كان إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال:

أحسن لك الصحابة و أكمل لك المعونة و سهّل لك الحزونة و قرب لك البعيد و كفاك المهمّ و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم عملك و وجّهك لكلّ خير، عليك بتقوى اللّه، استودع اللّه نفسك، سر على بركة اللّه- عزّ و جلّ-». و ينبغي أن يقرأ في اذنه: «إنّ الّذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد إن شاء اللّه» ثمّ يؤذّن خلفه و ليُقم، كما هو المشهور عملًا. و ينبغي رعاية حقّه في أهله و عياله و حسن الخلافة فيهم، لا سيّما مسافر الحجّ، فعن الباقر عليه السلام:

«من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأنّه يستلم الأحجار» و أن يوقّر القادم من الحجّ، فعن الباقر عليه السلام: «وقّروا الحاجّ و المعتمر فإنّ ذلك واجب عليكم» و كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: «يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ و صافحوهم و عظّموهم، فإنّ ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر» و كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول للقادم من مكّة: «قبل اللّه منك و أخلف عليك نفقتك و غفر ذنبك».

و لنتبرّك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر، بل و الحضر؛ فعن الصادق عليه السلام قال: «قال لقمان لابنه: يا بنىّ! إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و امورهم و أكثر التبسّم في وجوههم، و كن كريماً على زادك، و إذا دعوك فأجبهم و إذا استعانوا بك فأعنهم، و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابّة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 265‌

أو ماء أو زادٍ، و إذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم و اجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت و تنظر، و لا تُجب في مشورة حتّى تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تضع و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك، فإنّ من لم يمحّض النصح لمن استشاره سلبه اللّه رأيه و نزع منه الأمانة؛ و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، فإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فأعط معهم، و اسمع لمن هو أكبر منك سنّاً، و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئاً فقل: نعم، و لا تقل: لا، فإنّها عيّ و لؤم؛ و إذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا و إذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا، و إذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه، فإنّ الشخص الواحد في الفلات مريب، لعلّه يكون عن اللصوص أو يكون هو الشيطان الّذي حيّركم، و احذروا الشخصين أيضاً إلّا أن ترون ما لا أرى، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه، و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بنىّ! إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي‌ء، صلّها و استرح منها فإنّها دين، و صلّ في جماعة و لو على رأس زجّ. و لا تنامنّ على دابّتك، فإنّ ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء، إلّا أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل، و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها فإنّها نفسك، و إذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً و ألينها تربةً و أكثرها عشباً، و إذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، و إذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض؛ و إذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثمّ ودّع الأرض الّتي حللت بها و سلّم عليها و على أهلها، فإنّ لكلّ بقعة أهلًا من الملائكة، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ و تصدّق منه فافعل؛ و عليك بقراءة كتاب اللّه ما دمت راكباً، و عليك بالتسبيح ما دمت عاملًا عملًا، و عليك بالدعاء ما دمت خالياً. و إيّاك و السير في أوّل الليل، و سر في آخره، و إيّاك و رفع الصوت. يا بنىّ! سافر بسيفك و خفّك و عمامتك و حبالك و سقائك و خيوطك و مخرزك، و تزوّد معك من الأدوية فانتفع به أنت و من معك؛ و كن لأصحابك موافقاً إلّا في معصية اللّه- عزّ و جلّ-».

هذا ما يتعلّق بكلّيّ السفر. و يختصّ سفر الحجّ بامور اخر:

منها: اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح، بل الحفاء على الانتعال، إلّا أن‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 266‌

يضعفه عن العبادة أو كان لمجرّد تقليل النفقة، و عليهما يحمل ما يستظهر منها أفضليّة الركوب، و روي: «ما تقرّب العبد إلى اللّه عزّ و جلّ بشي‌ء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين، و إنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة و ما عبد اللّه بشي‌ء مثل الصمت و المشي إلى بيته».

و منها: أن تكون نفقة الحجّ و العمرة حلالًا طيّباً؛ فعنهم: «إنّا أهل بيت حجّ، صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا» و عنهم:: «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية: لا لبّيك عبدي و لا سعديك» و عن الباقر عليه السلام: «من أصاب مالًا من أربع لم يقبل منه في أربع:

من أصاب مالًا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة، لم يقبل منه في زكاة و لا صدقة و لا حجّ و لا عمرة».

و منها: استحباب نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة، و كراهة نيّة عدم العود؛ فعن النبيّ صلى الله عليه و آله: «من رجع من مكّة و هو ينوي الحجّ من قابل، زيد في عمره، و من خرج من مكّة و لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه» و عن الصادق عليه السلام مثله مستفيضاً؛ و قال لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى! إنّي احبّ أن يراك اللّه فيما بين الحجّ إلى الحجّ و أنت تتهيّأ للحجّ».

و منها: أن لا يخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلّا بعد أداء الفرضين بهما.

و منها: البدءة بزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله لمن حجّ على طريق العراق.

و منها: أن لا يحجّ و لا يعتمر على الإبل الجلّالة، و لكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها، و لا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق.

و من أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر، احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النيّة و إخلاص السريرة و أداء حقيقة القربة و التجنّب عن الرياء و التجرّد عن حبّ المدح و الثناء؛ و أن لا يجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة و الافتخار، بل وصلة إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و تصفّح الأمصار؛ و أن يراعي أسراره الخفيّة و دقائقه الجليّة، كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام: إنّ اللّه تعالى سنّ الحجّ و وضعه على عباده إظهاراً لجلاله و كبريائه و علوّ شأنه و عظم سلطانه، و إعلاناً لرقّ الناس و عبوديّتهم و ذلّهم و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 267‌

معاملة السلاطين لرعاياهم و الملّاك لمماليكهم، يستذلّونهم بالوقوف على باب بعد باب و اللبث في حجاب بعد حجاب. و إنّ اللّه تعالى قد شرّف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه و اصطفاه لقدسه و جعله قياماً للعباد و مقصداً يؤمّ من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرماً و جعل الحرم أمناً، و جعل فيه ميداناً و مجالًا و جعل له في الحلّ شبيهاً و مثالًا، فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثمّ أذّن في الناس بالحجّ ليأتوه رجالًا و ركباناً من كلّ فجّ و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شُعثاً غبراً متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتلبية و إجابة الدعوة، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرّعون إليه، حتّى إذا طال تضرّعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم، أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تفثهم، ليطهّروا من الذنوب الّتي كانت هي الحجاب بينهم و بينه و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرقّ و كنه العبوديّة، فجعلهم تارةً يطوفون فيه و يتعلّقون بأستاره و يلوذون بأركانه، و اخرى يسعون بين يديه مشياً و عدواً، ليتبيّن لهم عزّ الربوبيّة و ذلّ العبوديّة و ليعرفوا أنفسهم و يضع الكبر من رءوسهم و يجعل نير الخضوع في أعناقهم و يستشعروا شعار المذلّة و ينزعوا ملابس الفخر و العزّة. و هذا من أعظم فوائد الحجّ، مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة، إذ الحجّ هو الحشر الأصغر و إحرام الناس و تلبيتهم و حشرهم إلى المواقف و وقوفهم بها والهين متضرّعين راجعين إلى الفلاح أو الخيبة و الشقاء، أشبه شي‌ء بخروج الناس من أجداثهم و توشّحهم بأكفانهم و استغاثتهم من ذنوبهم و حشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات الحاجّ في طوافهم و سعيهم و رجوعهم و عودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب ملجأً و مفزعاً، نحو أهل المحشر في أحوالهم و أطوارهم، فبحلول هذه المشاعر و الجبال و الشعب و الطلال و لدىٰ وقوفه بمواقفة العظام يهوّن ما بأمامه من أهوال يوم القيام من عظائم يوم الحشر و شدائد النشر؛ عصمنا اللّه و جميع المؤمنين و رزقنا فوزه يوم الدين، آمين ربّ العالمين (1).

______________________________
(1). من أوّل كتاب الحجّ إلى هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السيّد محمّد بأمر والده- دام ظلّهما و علا مجدهما-.

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 268‌

فصل في وجوب الحجّ

من أركان الدين، الحجّ و هو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثى، بالكتاب و السنّة و الإجماع من جميع المسلمين، بل بالضرورة، و منكره في سلك الكافرين (1)، و تاركه عمداً مستخفّاً به بمنزلتهم، و تركه من غير استخفاف من الكبائر.

و لا يجب في أصل الشرع إلّا مرّة واحدة في تمام العمر، و هو المسمّى بحجّة الإسلام أي الحجّ الّذي بني عليه الإسلام، مثل الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة؛ و ما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة كلّ عام- على فرض ثبوته- شاذّ مخالف للإجماع و الأخبار، و لا بدّ من حمله على بعض المحامل كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد أو الوجوب على البدل، بمعنى أنّه يجب عليه في عامه و إذا تركه ففي العام الثاني و هكذا، و يمكن حملها على الوجوب الكفائيّ، فإنّه لا يبعد وجوب الحجّ (2) كفايةً على كلّ أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية عن الحجّاج، لجملة من الأخبار الدالّة على أنّه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحجّ و الأخبار الدالّة على أنّ على الإمام- كما في بعضها- و على الوالي- كما في آخر- أن يجبر الناس على الحجّ و المقام في مكّة و زيارة الرسول صلى الله عليه و آله و المقام عنده، و أنّه إن لم يكن لهم مال انفق عليهم من بيت المال.

مسألة 1: لا خلاف في أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوريّ (3)، بمعنى أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة، فلا يجوز تأخيره عنه، و إن تركه فيه ففي العام الثاني و هكذا، و يدلّ عليه جملة من الأخبار؛ فلو خالف و أخّر مع وجود الشرائط بلا عذر،

______________________________
(1). الامام الخميني: مرّ الكلام في الميزان الكفر في كتاب الطهارة‌

مكارم الشيرازي: إذا رجع إنكاره إلى إنكار النبي صلى الله عليه و آله و ذلك لا يكون إلّا بعد العلم بكونه ثانياً قطعاً من شرع الإسلام؛ و كذا ما ذكره في حكم التارك له مستخفّاً به‌

(2). الگلپايگاني: على الأحوط‌

(3). مكارم الشيرازي: و الأصل فيه قوله تعالى «للّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا» لأنّه في حكم الأمر و الأمر دالّ على الوجوب فوراً على المختار، بل دلالته آكد من الأمر، لأنّه يدلّ على أنّ الحجّ دين الهي، و الدين واجب الأداء فوراً إلّا ما دلّ دليل على جواز تأخيره، مضافاً إلى الأخبار الخاصّة الدالّة على فوريّة الحجّ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 269‌

يكون عاصياً، بل لا يبعد (1) كونه كبيرة، كما صرّح به جماعة، و يمكن استفادته من جملة من الأخبار.

مسألة 2: لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر و تهيئة أسبابه، وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ في تلك السنة (2). و لو تعدّدت الرفقة و تمكّن من المسير مع كلّ منهم، اختار (3) أوثقهم سلامةً و إدراكاً (4)؛ و لو وجدت واحدة (5) و لم يعلم حصول اخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير و الإدراك للحجّ بالتأخير فهل يجب الخروج مع الاولى أو يجوز التأخير إلى الاخرىٰ بمجرّد احتمال الإدراك، أو لا يجوز إلّا مع الوثوق؟ أقوال؛ أقواها الأخير. و على أىّ تقدير إذا لم يخرج مع الاولى و اتّفق عدم التمكّن من المسير أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير، استقرّ عليه الحج (6) و إن لم يكن آثماً بالتأخير (7)، لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الاولى، إلّا إذا تبيّن عدم إدراكه (8) لو سار معهم أيضاً.

فصل في شرائط وجوب حجّة الإسلام

فصل في شرائط وجوب حجّة الإسلام و هي امور:

فصل في الحجّ الواجب بالنذر و العهد و اليمين‌

و يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار؛ فلا تنعقد من الصبيّ و إن بلغ عشراً و قلنا بصحّة عباداته و شرعيّتها، لرفع قلم الوجوب عنه، و كذا لا تصحّ من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره؛ و الأقوى صحّتها من الكافر (4) وفاقاً للمشهور في اليمين، خلافاً لبعض، و خلافاً للمشهور في النذر، وفاقاً لبعض؛ و ذكروا في وجه الفرق عدم‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لا يبعد كون النذر أيضاً من العناوين القصديّة، فلو حجّ بدون قصد الوفاء يشكل النذر، كما أنّه لو نذر إنفاق مقدار من المال على فقير فأعطاه لا بهذا القصد يشكل الاكتفاء به؛ هذا إذا كان نذره مقيّداً بحجّ غير حجّة الإسلام، و أمّا لو كان مطلقاً فيكفيه عن حجّة الإسلام، كما ستأتي الإشارة إليه في المسائل الآتية‌

(2). الامام الخميني: بينهما فروق لا يسع المجال ذكرها‌

(3). الگلپايگاني: نعم، لو تمسّك للبطلان بالروايتين فموردهما مختصّ بالصرورة و حجّة الإسلام‌

(4). الخوئي: هذا مبنيّ على كون الكافر مكلّفاً بالفروع‌

الگلپايگاني: إذا اعتقد بوجود الصانع و لم ينذر إتيان العبادة في حال كفره. و في انعقاده من الشاكّ أيضاً وجه‌

مكارم الشيرازي: إذا كان الكافر يعتقد بوجود اللّه، هذا في النذر و العهد؛ و أمّا اليمين فلا يشترط فيه ذلك أيضاً. و ليعلم أنّ النذر و إن كان يصحّ من الكافر المعتقد باللّه، و لكن حيث إنّ الواجب في الوفاء بالنذر فعله تقرّباً إليه و من المعلوم أنّ الكافر لا يتقرّب إلى اللّه حال كفره، فلو نذر فعله في حال الكفر يشكل صحّة نذره، عبادةً كان المنذور أو غير عبادة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 342‌

اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر، و لا تتحقّق القربة في الكافر. و فيه أوّلًا: أنّ القربة لا تعتبر في النذر (1) بل هو مكروه (2) و إنّما تعتبر في متعلّقه (3)، حيث إنّ اللّازم كونه راجحاً شرعاً (4)؛ و ثانياً (5): أنّ متعلّق اليمين أيضاً قد يكون من العبادات (6)؛ و ثالثاً: أنّه يمكن قصد القربة من الكافر (7) أيضاً (8)؛ و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام، مدفوعة (9) بإمكان إسلامه ثمّ إتيانه، فهو مقدور (10) لمقدوريّة مقدّمته، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات، و يعاقب على مخالفته و يترتّب عليها وجوب الكفّارة فيعاقب على تركها أيضاً، و إن أسلم صحّ إن أتى به و يجب عليه الكفّارة لو خالف، و لا يجري فيه قاعدة جبّ‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: بل الظاهر اعتبارها فيه، و ذلك لأخذها في مفهوم النذر، لأنّ معناه الوصول إلى بعض الحوائج من طريق التقرّب إلى المعبود بفعل بعض ما يحبّه؛ هذا في النذر المشروط، و أمّا المطلق فحاله أوضح، مضافاً إلى بعض الروايات الظاهرة في اعتبار كون النذر للّه و عدم صحّته بدونه (راجع الروايات الواردة في الباب 2 من أبواب النذر و العهد، ج 16)

(2). الگلپايگاني: الكراهة غير معلومة و إن ورد النهي عنه في بعض الأخبار، حيث إنّه ظاهر في الإرشاد‌

مكارم الشيرازي: العبارة لا تخلو عن حزازة، و المراد منه ظاهراً كراهة النذر بدون قصد القربة، و لكن لم يدلّ عليه دليل، بل ظاهر بعض الروايات (مثل 1/ 8 من النذر) كراهة أصل النذر و لو مع قصد القربة، و كأنّه لأنّ التكاليف الإلهيّة كثيرة و لا ينبغي للإنسان أن يضيف إليها شيئاً ليثقل عليه‌

(3). الامام الخميني: بل لا تعتبر في متعلّقه أيضاً‌

(4). الگلپايگاني: اعتبار الرجحان لا يستلزم العباديّة‌

(5). الامام الخميني: هذا غير وارد على المدّعي، لدعوى اعتباره في النذر، فلا يقع من الكافر‌

(6). مكارم الشيرازي: الإشكالات الثلاثة ليست على نهج واحد، بل بعضها ناظر إلى عدم اعتبار القربة في النذر و بعضها ناظر إلى عدم اعتبارها في متعلّقه. و الأولى أن يقال: إن كان المراد اعتبار القربة في نفس النذر فيرد عليه الإشكال الأوّل، و إن كان المراد اعتبارها في متعلّقه فيرد عليه الثاني و الثالث‌

(7). الامام الخميني: المقرّ باللّه تعالى، بل يمكن قصدها رجاءً لمن يحتمل وجود الصانع، و لا يعتبر في العبادة أزيد من ذلك‌

(8). مكارم الشيرازي: ليس الإشكال في قصد القربة فقط، بل في قابليّة الكافر للتقرّب إلى اللّه، لأنّ صحّة العبادة تتوقّف على أمرين: قصد القربة و كون العمل مقرّباً، أي إمكان التقرّب به للعامل‌

(9). الامام الخميني: مضافاً إلى أخصّيّة الدليل من المدّعى؛ لما مرّ من عدم لزوم كون المتعلّق قريباً‌

(10). مكارم الشيرازي: و لكن إذا لم يكن نذره مقيّداً أو منصرفاً بفعله في حال كفره، كما هو الغالب‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 343‌

الإسلام، لانصرافها (1) عن المقام؛ نعم، لو خالف و هو كافر و تعلّق به الكفّارة فأسلم، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل.

مسألة 1: ذهب جماعة (2) إلى أنّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج و في انعقاده من الولد إذن الوالد، لقوله عليه السلام: «لا يمين لولد مع والده و لا للزوجة مع زوجها و لا للمملوك مع مولاه» فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد، و ظاهرهم (3) اعتبار الإذن السابق (4)، فلا تكفي الإجازة بعده، مع أنّه من الإيقاعات. و ادّعي الاتّفاق على عدم جريان الفضوليّة فيها و إن كان يمكن دعوى أنّ القدر المتيقّن من الاتّفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير، مثل الطلاق و العتق و نحوهما، لا مثل المقام ممّا كان في مال نفسه؛ غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه، و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق، خصوصاً إذا قلنا: إنّ الفضوليّ (5) على القاعدة. و ذهب جماعة إلى أنّه لا يشترط الإذن في الانعقاد، لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو إذن، بدعوى أنّ المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج، و لازمه جواز حلّهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به، و على هذا فمع النهي السابق لا ينعقد و مع الإذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حلّه. و لا يبعد (6) قوّة هذا القول (7)، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع‌

______________________________
(1). الامام الخميني: بل لعدم كون المقام مورداً لها‌

(2). الخوئي: هذا القول هو الصحيح‌

(3). الامام الخميني: و هو الأرجح. و ما ذكره من الاحتمال و دعوى الإجمال غير وجيه‌

(4). مكارم الشيرازي: ظهور كلماتهم في ذلك محلّ إشكال. و الإنصاف أنّه لا فرق بين المقام و سائر موارد الفضولي، و دعوى الإجماع على بطلان الفضوليّ في الإيقاعات محلّ منع، كما ذكرناه في مباحث البيع‌

(5). الگلپايگاني: جريان الفضولي في المقام محلّ إشكال‌

(6). الگلپايگاني: بل لا يبعد قوّة ما عليه المشهور و هو القول الأوّل‌

(7). مكارم الشيرازي: القول الأوّل، أعني اعتبار الإذن أو الإجازة في أصل الصحّة، أظهر و أقرب؛ مضافاً إلى ذكر عدم انعقاد اليمين في معصية اللّه في سياق الرواية (1/ 11 من أبواب الأيمان، ج 16) و من الواضح عدم انعقاده، فإذنهم شرط لا أنّ نهيهم مانع؛ هذا، و يظهر من بعض عبارات المسالك في كتاب اليمين أنّ المشهور قالوا بمانعيّة النهي، خلافاً لما ذكره بعض المحشّين هنا، و لا يهمّنا ذلك بعد ما عرفت من ظهور الدليل في الشرطيّة لا المانعيّة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 344‌

و المعارضة، أي لا يمين مع منع المولى مثلًا، فمع عدم الظهور في الثاني لا أقلّ من الإجمال، و القدر المتيقّن هو عدم الصحّة مع المعارضة و النهي، بعد كون مقتضى العمومات الصحّة و اللزوم.

ثمّ إنّ جواز الحلّ أو التوقّف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً (1)، كما هو ظاهر كلماتهم (2)، بل إنّما هو فيما كان المتعلّق منافياً لحقّ المولى أو الزوج و كان ممّا يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى، و أمّا ما لم يكن كذلك فلا، كما إذا حلف المملوك أن يحجّ إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن تحجّ إذا مات زوجها أو طلّقها أو حلفا أن يصلّيا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحقّ المولى أو حقّ الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد أن يقرأ كلّ يوم جزءاً من القرآن، أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين، فلا مانع من انعقاده، و هذا هو المنساق من الأخبار، فلو حلف الولد أن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة مثلًا لا مانع من انعقاده، و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة، فالمراد من الأخبار أنّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحقّ المذكورين، و لذا استثنى بعضهم (3) الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح و حكم بالانعقاد فيهما، و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء؛ هذا كلّه في اليمين.

و أمّا النذر، فالمشهور بينهم إنّه كاليمين في المملوك و الزوجة، و ألحق بعضهم بهما الولد أيضاً (4)، و هو مشكل، لعدم الدليل عليه خصوصاً في الولد، إلّا القياس على اليمين بدعوى‌

______________________________
(1). الخوئي: الأظهر عدم صحّة اليمين منهم مطلقاً‌

(2). الامام الخميني: و هو الأقوى، فلا يصحّ اليمين بما هو يمين بلا إذنهم مطلقاً حتّى في فعل واجب أو ترك محرّم، لكن لا يُترك الاحتياط فيهما؛ فاستثناء ما ذكر من الأمثلة في غير محلّه حتّى حلف الولد بأن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة، فإنّ الاستصحاب إليها أو الإذن في الحجّ غير الإذن في اليمين، و دعوى خروج مثله من منساق الأخبار غير وجيهة‌

الگلپايگاني: و هذا هو الظاهر من النصّ، فلا يستثنى ما ذكر من الأمثلة‌

(3). الگلپايگاني: هذا الاستثناء لا ينافي موضوعيّة اليمين و إن كان في نفسه محلّ تأمّل‌

(4). مكارم الشيرازي: و هو الأقوى و لكن بشرط منافاته لحقّهم، و الوجه فيه ما عرفت من أنّ الإطلاقات منصرفة إلى مورد منافاة النذر لحقوق هؤلاء، فالبطلان على القاعدة، لأنّه لا يجوز إبطال حقّ من طريق النذر أو اليمين، لا سيّما مع اعتبار القربة في نفس النذر، و الرجحان في متعلّقه؛ و من هنا يظهر حال المسائل الآتية على كثرتها‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 345‌
<![endif]-->

تنقيح المناط، و هو ممنوع، أو بدعوى أنّ المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار؛ منها خبران في كلام الإمام عليه السلام و منها أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام عليه السلام له و هو أيضاً كما ترى، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق (1)؛ نعم، في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق باليمين، لخبر قرب الإسناد (2) عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: «ليس على المملوك نذر إلّا بإذن مولاه» و صحيح ابن سنان (3) عن الصادق عليه السلام:

«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها، إلّا في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها»؛ و ضعف الأوّل منجبر بالشهرة، و اشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضرّ (4).

ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (5)؛ و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان. و الأمة المزوّجة، عليها الاستيذان من الزوج و المولى، بناءً على اعتبار الإذن. و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحجّ، لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة‌

______________________________
(1). الخوئي: إن كان الملاك منافاة مورد نذر هؤلاء لحقّ المولى و الزوج و الوالد، فلا يحتاج الحكم في الإلحاق إلى أمر سوى القاعدة و هي لزوم الرجحان في متعلّق النذر، و إن كان الملاك إطلاق دليل المنع فلا وجه للإلحاق في غير الولد أيضاً، كما لا وجه له فيه‌

(2). الخوئي: الرواية صحيحة، فيتعيّن العمل بها في موردها‌

(3). الخوئي: ظاهر الصحيحة بقرينة استثناء الحجّ و ما بعده أنّها في مقام بيان الكبرى الكليّة و هي المنع عن تصرّفات الزوجة في مالها إلّا بإذن زوجها، فلا بدّ من حملها على الجهة الأخلاقيّة، فلا مجال لما في المتن‌

(4). مكارم الشيرازي: بل هو مضرّ، لما ذكرناه في مبحث حجيّة خبر الواحد من أنّ المدار على الوثوق بالرواية و اشتمال الرواية على ما لا نقول به سبب لعدم الوثوق بها، و حملها على الاستحباب يوجب عدم ظهور الباقي في الوجوب لوحدة السياق‌

(5). الامام الخميني: لا يبعد الشمول لها دون تاليها‌

الگلپايگاني: أقواهما العدم‌

الخوئي: أوجههما الشمول؛ و كذا الحكم في الولد‌

مكارم الشيرازي: الظاهر شمولها لها عند منافاة النذر لحقّ الزوج؛ و كذا الكلام في غيره‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 346‌

عليه من مصارف الحجّ، و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان (1).

ثمّ على القول بأنّ لهم الحلّ، هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حلّ حلفهم أم لا؟ وجهان (2).

مسألة 2: إذا كان الوالد كافراً، ففي شمول الحكم له وجهان؛ أوجههما العدم (3)، للانصراف و نفي السبيل.

مسألة 3: هل المملوك المبعّض، حكمه حكم القنّ أو لا؟ وجهان (4)؛ لا يبعد الشمول، و يحتمل (5) عدم توقّف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة، خصوصاً إذا كان وقوع المتعلّق في نوبته.

مسألة 4: الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الانثى، و كذا في المملوك و المالك، لكن لا تلحق الامّ بالأب (6).

مسألة 5: إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك، ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه، بقي على لزومه (7).

______________________________
(1). الخوئي: أوجههما العدم‌

مكارم الشيرازي: الأقوى عدم الوجوب، إلّا أن يكون لكلامه دلالة ظاهرة على قبول النفقات؛ اللّهم إلّا أن يقال في هذا الفرض أيضاً لا يجب على المولى شي‌ء، لأنّه من قبيل الالتزام الابتدائي و لا يجب العمل به‌

(2). الامام الخميني: الأقوى جوازه‌

الخوئي: أقواهما الجواز‌

الگلپايگاني: أقواهما الجواز على هذا المبنى‌

مكارم الشيرازي: الأقوى جواز ذلك، لأنّه التماس لأمر مشروع من غير مانع‌

(3). مكارم الشيرازي: بل الأوجه شمول الحكم، بناءً على اختصاصه بصورة مزاحمة حقّ الوالد لو كان له حقّ. و العجب أنّه اختار هذا المبنى في المسألة السابقة و لكن هنا ألغى جميع فروعه و مشى على وفق قول المشهور‌

(4). الخوئي: أظهرهما العدم، إلّا فيما إذا كان منافياً لحقّ المولى‌

(5). الامام الخميني: لكنّه ضعيف، فإنّ المهاياة لا يجعل العبد حرّاً في نوبته، و قد مرّ أنّ الحلف بما هو يتوقّف على الإذن لا باعتبار منافاته لحقّ المولى‌

الگلپايگاني: لكنّه ضعيف‌

(6). مكارم الشيرازي: بل تلحق إذا كان النذر أو اليمين منافياً لحقّها‌

(7). الخوئي: إلّا إذا كان متعلّق نذره منافياً لحقّ المولى الثاني‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 347‌

مسألة 6: لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجيّة ثمّ تزوّجت، وجب عليها العمل به و إن كان منافياً (1) للاستمتاع بها (2)، و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحجّ و نحوه، بل و كذا لو نذرت أنّها لو تزوّجت بزيد مثلًا صامت كلّ خميس، و كان المفروض أنّ زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كلّ خميس إذا تزوّجها، فإنّ حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه (3) و إن كان متأخّراً في الإيقاع، لأنّ حلفه لا يؤثّر شيئاً في تكليفها، بخلاف نذرها فإنّه يوجب الصوم عليها، لأنّه متعلّق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.

مسألة 7: إذا نذر الحجّ من مكان معيّن (4) كبلده أو بلد آخر معيّن، فحجّ من غير ذلك المكان، لم تبرأ ذمّته و وجب عليه ثانياً؛ نعم، لو عيّنه في سنةٍ فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان، وجب عليه الكفّارة، لعدم إمكان التدارك. و لو نذر أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا (5) و خالف فحجّ من غير ذلك المكان، برأ من النذر الأوّل و وجب عليه الكفّارة (6) لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحجّ‌

______________________________
(1). الامام الخميني: في صورة المنافاة لا يجب العمل بالحلف؛ و أمّا في النذر فمحلّ تأمّل و إن كان الوجوب لا يخلو من وجه في غير مثال الصوم، و أمّا فيه فمحلّ إشكال و تردّد‌

(2). الخوئي: الظاهر عدم الوجوب حينئذٍ، إلّا مع إذن الزوج‌

مكارم الشيرازي: الأقوى عدم وجوب العمل به حينئذٍ و انحلال نذرها، و ذلك لأنّ الرجحان المعتبر في النذر و عدم مخالفة الشرط المعتبر في اليمين إنّما يكون بحسب وقت العمل، لا وقت النذر، و من الواضح أنّ العمل المنافي للاستمتاع حرام؛ و منه يظهر حال المسائل الآتية. و العجب ممّن صرّح بالبطلان في صورة تقييد نذرها بحال التزويج نظراً إلى المنافاة و لم يقل به هنا، و من المعلوم أنّه لا فرق بين التصريح و الإطلاق، و من هنا يظهر الحكم فيما لو نذرت أنّها لو تزوّجت صامت كلّ خميس مع حلف زوجها بخلافه، و أنّ النذر ينحلّ هنا أيضاً‌

(3). الخوئي: لا أثر لحلف الزوجة، تقدّم أو تأخّر، فيما يزاحم حقّ الزوج كما هو المفروض‌

(4). الگلپايگاني: هذا إذا كان المنذور هذا الفرد الخاصّ من الحجّ، و إلّا فالصحّة مشروطة برجحان الحجّ من خصوص هذا المكان، كما يشترط ذلك في النذر الآخر و نذر حجّة الإسلام‌

(5). مكارم الشيرازي: بشرط كون الحجّ من ذلك المكان راجحاً، لأنّ المفروض تعدّد النذر، فلا بدّ من الرجحان في متعلّق كلّ منهما، و هذا بخلاف ما إذا كان بعنوان نذر شي‌ء واحد مثل ما ذكره في صدر المسألة، فإنّ المعتبر رجحان أصل المنذور لا جميع خصوصيّاته، فإنّه لا يلزم أن يكون كلّ خصوصيّة راجحاً، كما ذكره في باب النذر. و إليه اشير في بعض الروايات كرواية عليّ بن مهزيار 1/ 9 من النذر (راجع الجواهر ج 35 ص 381)

(6). الخوئي: فيما إذا كان للمكان المنذور رجحان، و كذا فيما بعده‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 348‌

حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف، فإنّه يجزيه عن حجّة الإسلام و وجب عليه الكفّارة لخلف النذر.

مسألة 8: إذا نذر أن يحجّ و لم يقيّده بزمان، فالظاهر جواز التأخير (1) إلى ظنّ الموت أو الفوت، فلا يجب عليه المبادرة إلّا إذا كان هناك انصراف، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً، و القول بعصيانه (2) مع تمكّنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير، لا وجه له (3). و إذا قيّده بسنة معيّنة، لم يجز التأخير مع فرض تمكّنه في تلك السنة، فلو أخّر عصى و عليه القضاء (4) و الكفّارة (5)، و إذا مات وجب قضاؤه عنه، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكّنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه؛ و القول بعدم وجوبه بدعوى أنّ القضاء بفرض جديد ضعيف، لما يأتي.

و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟ قولان (6)؛ فذهب جماعة إلى القول‌

______________________________
(1). الخوئي: الظاهر عدم جواز التأخير ما لم يكن مطمئنّاً بالوفاء‌

الگلپايگاني: مشكل، بل لا يبعد لزوم التعجيل عقلًا؛ نعم، لا يفوت بالتأخير‌

مكارم الشيرازي: و هو الحقّ و إن قلنا بدلالة الأمر على الفور كما هو المختار، و ذلك لأنّ وجوب الوفاء بالنذر فوراً ثابت و لكنّ النذر يتبع نظر الناذر، فإن كان نذره مضيّقاً وجب العمل به فوراً و إن كان موسّعاً فلا و إن كان مبهماً فالظاهر أيضاً جواز التأخير، لأنّ التضييق هو الّذي يحتاج إلى الدليل‌

(2). الگلپايگاني: يعني فيما لو مات قبل الإتيان به‌

(3). الگلپايگاني: قد مرّ الإشكال في جواز التأخير؛ و لعصيانه وجه وجيه‌

(4). الخوئي: وجوب قضاء الحجّ المنذور الموقّت و غير الموقّت مبنيّ على الاحتياط، و الأظهر عدم الوجوب، إذ لا دليل عليه؛ و دعوى أنّه بمنزلة الدين فيخرج من الأصل لم تثبت، فإنّ التنزيل إنّما ورد في نذر الإحجاج و قد صرّح فيه بأنّه يخرج من الثلث، و أمّا ما ورد من إطلاق الدين على مطلق الواجب كما في رواية الخثعميّة فلا يمكن الاستدلال به، لضعف الرواية سنداً و دلالةً؛ و بذلك يظهر الحال إلى آخر المسألة‌

(5). مكارم الشيرازي: أمّا الكفّارة فواضح، لتحقّق الحنث؛ و أمّا القضاء فهو و إن كان بأمر جديد، إلّا أنّه المشهور في كلماتهم، بل لعلّه اسند إلى قطع الأصحاب، و المستند فيه غير واضح، و لكن لا يُترك الاحتياط فيه‌

(6). مكارم الشيرازي: الأحوط هو الإخراج من الأصل مع إحراز رضى سائر الورثة إذا كانوا كباراً، كما حكي عن أكثر الأصحاب بل نسب إلى قطعهم (راجع الجواهر ج 17 ص 340، حكاهما عن «المدارك» و «كشف اللثام»). و قد يستدلّ على وجوبه من الأصل، تارةً بأنّه مقتضى القاعدة و اخرى بأنّه مقتضى روايات الباب؛

أمّا الأوّل، فقد ذكر في المتن له طريقين:

أحدهما أنّ الحجّ من الواجبات الماليّة، و كلّ واجب مالي يخرج من الأصل بالإجماع؛ و لكنّه يمكن الخدشة فيه صغرى و كبرى، كما لا يخفى.

و اخرى بأنّه دَين، و كلّ دَين يجب أداؤه من أصل التركة؛ و هو و إن كان صحيحاً بحسب الكبرى، و لكنّ الكلام بعد في صغراه، فإنّه لا دليل على أنّ كلّ التكاليف الشرعيّة ديون إلهيّة أو خصوص الحجّ و النذر من الديون أي الدين بمعناه الحقيقيّ، لما في قوله تعالى: «للّه على الناس» و لما في صيغة النذر «للّه علىّ» و ذلك لأنّ اللام أعمّ من الملكيّة، و مجرّد اشتغال الذمّة بالتكاليف لا يدلّ على كون الاشتغال من قبيل الدين. و الحاصل أنّ الواجبات تكاليف إلهيّة، و فرق بين اعتبار التكليف و اعتبار الدين؛ فإتمام المسألة، أعني القول بأنّ قضاء النذر من صلب المال من طريق القواعد مشكل جدّاً.

فالدليل عليه منحصر بما ورد في الأخبار من رواية «مسمع بن عبد الملك»، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كانت لي جارية حبلى فنذرت للّه تعالى إن هي ولدت غلاماً أن أحجّه أو أحجّ عنه؛ فقال: «إنّ رجلًا نذر للّه في ابن له إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه» (الوسائل ج 16 من أبواب النذر- الحديث 1) و الرواية معتمد عليها، إمّا لعمل المشهور بها كما عرفت، أو لتوثيق مسمع كما عن الكشّي، و لكنّ المصرّح به في كلمات كثير منهم أنّ الرواية غير معمول بها من جهة ذيلها، فإنّ الشرط و هو إدراك الغلام إنّما حصل بعد وفاة الأب، و من المعلوم أنّ الوفاء بالنذر إنّما يجب إذا حصل الشرط في حياة الإنسان لا بعد مماته، فعلى هذا لا يجب الحجّ و لا الإحجاج إذا حصل الشرط بعد الموت، فكيف يمكن الحكم بوجوب الحجّ على الغلام ممّا ترك أبوه؟ و يمكن حمله على الاستحباب، و حينئذٍ يشكل الاعتماد على صدره أيضاً فيشكل الحكم في المسألة، لعدم الدليل على وجوب القضاء من الأصل و لا من الثلث بحسب القواعد و لا بحسب الأدلّة الخاصّة، إلّا إذا أوصى بذلك فيخرج من ثلثه؛ و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بإخراجه من الأصل مع إحراز رضى سائر الورثة. و قد تعارض رواية «مسمع» بروايتي «ضريس و ابن أبي يعفور» (الوسائل ج 8 الباب 29 من أبواب وجوب الحجّ- الحديث 1 و 3) و لكن يرد عليهما أنّ ما اشتمل عليه هاتان الروايتان من الإخراج من الثلث بدون الوصيّة لا يوافق القواعد و لا روايات أبواب الوصيّة، و حمله على النذر في حال مرض الموت مع القول بكون المنجّزات من الثلث لا شاهد له أصلًا، مضافاً إلى تناقض صدر رواية «ضريس» مع ذيله، لأنّ ذيلها يصرّح بأنّه مثل الدين و لازمه الخروج من الأصل مع حكمه بإخراجه من الثلث في صدره‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 349‌

بأنّه من الأصل (1)، لأنّ الحجّ واجب ماليّ و إجماعهم قائم على أنّ الواجبات الماليّة تخرج من‌

______________________________
(1). الامام الخميني: و هو الأقوى‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 350‌

الأصل (1)؛ و ربما يورد عليه بمنع كونه واجباً ماليّاً، و إنّما هو أفعال مخصوصة بدنيّة و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدّماته، كما أنّ الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك.

و فيه: أنّ الحجّ في الغالب محتاج إلى بذل المال، بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنيّة، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أنّ الواجبات الماليّة [تخرج] من الأصل، يشمل الحجّ قطعاً.

و أجاب صاحب الجواهر بأنّ المناط في الخروج من الأصل كون الواجب دَيناً و الحجّ كذلك، فليس تكليفاً صرفاً كما في الصلاة و الصوم، بل للأمر به جهة وضعيّة، فوجوبه على نحو الدينيّة بخلاف سائر العبادات البدنيّة، فلذا يخرج من الأصل، كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنّه دين أو بمنزلة الدين.

قلت: التحقيق (2) أنّ جميع الواجبات الإلٰهيّة ديون للّه تعالى؛ سواء كانت مالًا أو عملًا ماليّاً أو عملًا غير ماليّ، فالصلاة و الصوم أيضاً ديون للّه و لهما جهة وضع، فذمّة المكلّف مشغولة بهما و لذا يجب قضاؤهما، فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة الميّت، و ليس القضاء من باب التوبة أو من باب الكفّارة، بل هو إتيان لما كانت الذمّة مشغولة به. و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل قوله: للّه علىّ أن اعطي زيداً درهماً، دين إلهيّ لا خلقيّ (3) فلا يكون الناذر مديوناً لزيد، بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: للّه علىّ أن أحجّ أو أن اصلّي ركعتين، فالكلّ دين اللّه، و دين اللّه أحقّ أن‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: و هذا هو الأقوى، لكن لا لما ذكر، بل لأنّ معنى قول الناذر: «للّه علىّ كذا» هو التعهّد للّه تعالى بإتيان المنذور على أن يكون العمل ديناً على عهدته، و ما يدلّ على وجوب الوفاء به يدلّ على وجوب وفاء هذا الدين، و المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب ديناً و ذلك هو السبب لخروج حجّة الإسلام من الأصل، حيث تستظهر الدينيّة من قوله تبارك و تعالى: «و للّه على الناس حجّ البيت»؛ و معنى قوله عليه السلام: «دين اللّه أحقّ أن يقضىٰ» أنّ الدائن إذا كان هو اللّه- عزّ و جلّ- فأداء هذا الدين أحقّ، و لا يدلّ على أنّ كلّ واجب دين؛ فالدينيّة لا بدّ و أن تستظهر من دليل الواجب، خلافاً لما حقّقه قدس سره‌

(2). الامام الخميني: هذا التحقيق غير وجيه؛ نعم، في خصوص الحجّ و النذر يمكن استفادة الدينيّة من قوله تعالى: «للّه على الناس» و من قول الناذر: «للّه علىّ»، و إطلاق الدين على الحجّ بهذا الاعتبار ظاهراً لا باعتبار مجرّد التكليف، فالأقوى عدم خروج الواجبات الغير الماليّة من الأصل‌

(3). الگلپايگاني: هذا في النذر صحيح، لما استظهرنا دينيّته، و كذا حجّة الإسلام؛ و لا يقاس بهما سائر الواجبات‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 351‌

يقضى، كما في بعض الأخبار، و لازم هذا كون الجميع من الأصل؛ نعم، إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته؛ سواء كان مالًا أو عملًا مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء، لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته؛ و كما في نفقة الأرحام، فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكّنه لا يصير ديناً عليه، لأنّ الواجب سدّ الخلّة و إذا فات لا يتدارك.

فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة في الحجّ النذريّ إذا تمكّن و ترك حتّى مات، وجوب قضائه من الأصل، لأنّه دين إلهيّ، إلّا أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات، و هو محلّ منع، بل دين اللّه أحقّ أن يقضى.

و أمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلّوا بصحيحة ضريس و صحيحة ابن أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه ماليّاً قطعاً فنذر الحجّ بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل. و فيه: أنّ الأصحاب (1) لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما، فكيف يعمل بهما في غيره؟ و أمّا الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض، بناءً على خروج المنجّزات من الثلث، فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل؛ و ربّما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة أو على صورة عدم التمكّن من الوفاء حتّى مات؛ و فيهما ما لا يخفى، خصوصاً الأوّل.

مسألة 9: إذا نذر الحجّ مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة و لم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات، لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه حتّى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.

مسألة 10: إذا نذر الحجّ معلّقاً على أمر كشفاء مريضه أو مجي‌ء مسافره فمات قبل‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: مع دلالة صدر صحيحة مسمع المطابق للقاعدة و فتوى المشهور؛ و عدم إحراز العمل بذيلها لا يضرّ بحجيّة الصدر‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 352‌

حصول المعلّق عليه، هل يجب القضاء عنه (1) أم لا (2)؟ المسألة مبنيّة (3) على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلّق؛ فعلى الأوّل لا يجب، لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و إن كان متمكّناً من حيث المال و سائر الشرائط؛ و على الثاني (4) يمكن أن يقال بالوجوب، لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأوّل، إلّا أن يكون نذره منصرفاً إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.

مسألة 11: إذا نذر الحجّ و هو متمكّن منه فاستقرّ عليه، ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه، فالظاهر (5) وجوب استنابته حال حياته (6)، لما مرّ من الأخبار (7) سابقاً في وجوبها؛ و دعوى اختصاصها بحجّة الإسلام (8) ممنوعة، كما مرّ‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: و الظاهر عدم وجوب القضاء؛ سواء قلنا إنّ الشرط راجع إلى أصل النذر أو المنذور، و كان من قبيل الواجب المشروط على مبنى المشهور أو من قبيل الواجب المعلّق، و ذلك لأنّ القدرة على المنذور لم تحصل له أبداً بعد فرض موته قبل حصول الشرط، إلّا أن يكون من قبيل الشرط المتأخّر و هو كما ترى؛ هذا مضافاً إلى أنّ الواجب المعلّق ليس له معنى معقول كما ذكرنا في محلّه، و لكن يظهر من ذيل رواية مسمع بن عبد الملك (1/ 16 من أبواب النذر) وجوب القضاء، و لكنّ الظاهر أنّه لم يعمل به أحد، كما عرفت الإشارة إليه في المسألة السابقة‌

(2). الخوئي: لا يجب القضاء جزماً، و ذلك لأنّ الوجوب على التقديرين مشروط بالقدرة في ظرف العمل، و بالموت ينكشف عدم الوجوب‌

(3). الامام الخميني: و إن يمكن إيقاع النذر على الوجهين، لكن ظاهر التعليقات من باب الشرط، فلا يجب القضاء إلّا إذا قصد التعليق على نحو الواجب المعلّق و أوقع النذر كذلك، فحينئذٍ إن قلنا بأنّ القضاء تابع لنفس الوجوب و لو لم يأت ظرف الواجب يجب القضاء، و إلّا فلا، و هذه الجهة تحتاج إلى التأمّل‌

(4). الگلپايگاني: الأقوى عليه أيضاً عدم الوجوب، لعدم التمكّن من إتيانه حال حياته لعدم حلول وقته بالفرض‌

(5). الامام الخميني: قد مرّ منه ما ينافي ذلك. و الوجوب في النذري محلّ إشكال، و الظاهر اختصاص الروايات بحجّة الإسلام؛ نعم، لا يبعد إطلاق رواية محمّد بن مسلم، لكن لا تطمئنّ به النفس، و دعوى الانصراف غير بعيدة، و أمّا دعوى إلغاء الخصوصيّة من الأخبار فغير وجيهة بعد وضوح الخصوصيّة في حجّة الإسلام الّتي ممّا بني عليها الإسلام و هي شريعة من شرايع الإسلام‌

(6). مكارم الشيرازي: لا دليل على الوجوب بعد اختصاص أخبار الاستنابة بحجّة الإسلام و عدم الدليل على إلغاء الخصوصيّة منها‌

(7). الخوئي: لا يمكن استفادة وجوب الاستنابة منها في غير حجّة الإسلام‌

(8). الگلپايگاني: و على اختصاص المورد بها، كما هو الظاهر، يمكن دعوى انفهام العموم بإلغاء الخصوصيّة، مع أنّ الاستنابة مطابق للقاعدة على ما استظهرنا من تعلّق النذر على نحو الدين، فإنّه بعد الاستقرار لا بدّ من أدائه بنفسه إن كان متمكّناً، و إلّا فبالاستنابة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 353‌

سابقاً (1). و إذا مات، وجب القضاء (2) عنه (3). و إذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه و استقرار الحجّ عليه، أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان؛ أقواهما العدم و إن قلنا (4) بالوجوب بالنسبة إلى حجّة الإسلام (5)، إلّا أن يكون قصده من قوله:

للّه علىّ أن أحجّ، بالاستنابة.

مسألة 12: لو نذر أن يحجّ رجلًا في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه، وجب عليه القضاء (6) و الكفّارة (7)، و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة، لأنّهما واجبان ماليّان (8) بلا إشكال (9)؛ و الصحيحتان المشار إليهما سابقاً الدالّتان على الخروج من الثلث، معرض عنهما كما قيل، أو محمولتان على بعض المحامل، و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معيّنة مطلقاً أو معلّقاً على شرط و قد حصل و تمكّن منه و ترك حتّى مات، فإنّه يقضى عنه من أصل التركة (10). و أمّا لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكّن منه حتّى مات، ففي وجوب‌

______________________________
(1). الخوئي: و قد مرّ منه خلافه في المسألة 72، من الفصل السابق‌

(2). الخوئي: تقدّم عدم وجوبه‌

(3). مكارم الشيرازي: قد عرفت الإشكال فيه في المسألة الثامنة و أنّه الأحوط‌

(4). الامام الخميني: بعد دعوى عدم اختصاص الأخبار بحجّة الإسلام لا وجه للتفكيك بينهما‌

(5). مكارم الشيرازي: قد عرفت في المسألة (72) عدم الوجوب فيها أيضاً‌

(6). الخوئي: الظاهر عدم وجوب القضاء، لا عليه و لا بعد موته، و أمّا الكفّارة فلا إشكال في وجوبها عليه؛ و أمّا بعد موته فالمشهور و إن كان على وجوب إخراجها من أصل التركة، إلّا أنّه لا يخلو من إشكال، و الاحتياط لا ينبغي تركه‌

(7). مكارم الشيرازي: الكفّارة معلومة، و أمّا القضاء فهو موافق للاحتياط‌

(8). الگلپايگاني: بل لاستظهار الدينيّة من دليل وجوبهما كما مرّ و صدر صحيحة مسمع‌

(9). مكارم الشيرازي: الحكم بوجوبهما مشكل و إن كان أحوط؛ أمّا القضاء، فقد عرفت الكلام فيه في المسألة الثامنة، و أمّا الكفّارة فكونها واجباً ماليّاً مثل الدين أو الخمس و الزكاة غير ثابت، و قد عرفت الإشكال في صحيحتي ضريس و ابن أبي يعفور في المسألة الثامنة؛ نعم، إذا أوصى بالإخراج عن الثلث، أمكن‌

(10). الخوئي: بل يخرج من الثلث؛ و كذا الحال فيما بعده‌

مكارم الشيرازي: لا فرق بين نذر الحجّ و نذر الإحجاج في عدم الدليل الواضح على وجوب القضاء و الكفّارة بعد مماته؛ و منه يظهر الحال فيما إذا لم يتمكّن و مات بطريق أولى‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 354‌

قضائه و عدمه وجهان؛ أوجههما ذلك، لأنّه واجب ماليّ أوجبه على نفسه فصار ديناً، غاية الأمر أنّه ما لم يتمكّن معذور. و الفرق بينه و بين نذر الحجّ بنفسه أنّه لا يعدّ ديناً مع عدم التمكّن منه و اعتبار المباشرة، بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال (1)، كما إذا قال: للّه علىّ أن اعطي الفقراء مائة درهم، و مات قبل تمكّنه؛ و دعوى كشف عدم التمكّن عن عدم الانعقاد ممنوعة؛ ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشريّ (2) و إن استلزم صرف المال، فإنّه لا يعدّ ديناً عليه بخلاف الأوّل (3).

مسألة 13: لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط كمجي‌ء المسافر أو شفاء المريض، فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكّنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه (4)، إلّا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه و يدلّ على ما ذكرنا‌

______________________________
(1). الخوئي: الظاهر عدم الوجوب فيه أيضاً، لأنّ المال لا يكون ديناً عليه بالنذر‌

(2). مكارم الشيرازي: الكلام في نذر الإحجاج و هو غير نذر المال للحجّ، فلا يعدّ ديناً و إن استلزم صرف المال؛ نعم، لو نذر مالًا يصرف في الإحجاج، احتمل عدّه ديناً، فلا يُترك الاحتياط بأدائه من صلب المال مع رضى الورثة‌

(3). الگلپايگاني: بل الأقوى في الأوّل أيضاً عدم الوجوب، إلّا إذا جعل للّه على نفسه مالًا و قلنا بصحّة نذر النتيجة، لكنّه محلّ تأمّل‌

(4). الخوئي: لكنّه يخرج من الثلث‌

مكارم الشيرازي: بل الأقوى عدم وجوبه، لما مرّ من أنّه لا دليل على وجوب قضاء الحجّ المنذور؛ و على فرض قبوله، لا شكّ في كون مفروض المسألة مخالفاً للقاعدة، لأنّ شرط النذر حصل بعد الموت و هو حينئذٍ غير قادر، و أمّا قدرته على الحجّ قبل حصول الشرط في زمن حياته غير كافٍ قطعاً، فالمسألة مخالفة للقواعد. و أمّا رواية مسمع، فالظاهر أنّه معرض عنها بحسب ذيلها، و دعوى الماتن قدس سره على أنّه قد عمل به جماعة غير ثابت، و الظاهر أنّه لم يعمل به إلّا صاحب الجواهر بظنّ عمل جماعة من الأصحاب بها، حال كونهم عاملين بصدرها الّذي هو خارج عن محلّ الكلام دون ذيلها؛ نعم، يمكن توجيه ذيل رواية مسمع بأحد وجهين؛

أحدهما: ما عرفت من حمله على الاستحباب (بشرط أن لا يكون بين الورثة صغير أو كان من خصوص سهم الكبار مع رضاهم)؛

ثانيهما: حمله على اشتراط إدراك الغلام بعنوان الشرط المتأخّر، و لا يخلو عن بُعد‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 355‌

خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حبلىٰ فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجّه أو يحجّ عنه، حيث قال الصادق عليه السلام بعد ما سئل عن هذا: «إنّ رجلًا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه» و قد عمل به جماعة، و على ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة (1) كما تخيّله سيّد الرياض و قرّره عليه صاحب الجواهر و قال: إنّ الحكم فيه تعبّديّ على خلاف القاعدة (2).

مسألة 14: إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد على الأقوى و كفاه حجّ واحد، و إذا ترك حتّى مات وجب القضاء عنه (3) و الكفّارة (4) من تركته، و إذا قيّده بسنة معيّنة (5) فأخّر عنها وجب عليه الكفّارة؛ و إذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضاً و وجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدّمةً، إلّا أن يكون مراده الحجّ بعد الاستطاعة.

مسألة 15: لا يعتبر في الحجّ النذريّ الاستطاعة الشرعيّة (6)، بل يجب مع القدرة (7) العقليّة،

______________________________
(1). الخوئي: بل هو على خلاف القاعدة، لكنّه مع ذلك لا مناص من العمل به و حمله على لزوم الإخراج من الثلث جمعاً بينه و بين صحيحتي ضريس و ابن أبي يعفور‌

الگلپايگاني: مشكل، بل الحكم على خلاف القاعدة على ما مرّ، و لم يحرز العمل بذيل الرواية، بل لا يبعد أن يكون تعرّض أهل الفتوى للفرع المفروض في صدر الرواية أعني المسألة السابقة دون المفروض في ذيلها أعني هذه المسألة دليلًا للإعراض عنها‌

(2). الامام الخميني: و هو الحقّ، و لا بأس بالعمل بالرواية بعد كونها معتبرة الإسناد و عدم إحراز الإعراض عنها، بل مقتضى إطلاق الشيخ في النهاية و المحقّق و عن كُتُب العلّامة العمل بها صدراً و ذيلًا و مقتضى استشهاد الإمام عليه السلام التعدّي عن مورد الرواية بإلغاء الخصوصيّة‌

(3). الخوئي: تقدّم الكلام فيه [في هذا الفصل، المسألة 8- التعليقة على «عليه القضاء»]

(4). مكارم الشيرازي: القضاء ثابت، لأنّه راجع إلى حجّة الإسلام، و أمّا الكفّارة الناشئة من النذر فقد عرفت الإشكال في إخراجها من التركة‌

(5). الگلپايگاني: إطلاق العبارة يشمل ما لو نذر الإتيان بحجّة الإسلام بعد عام الاستطاعة مع أنّه لا ينعقد‌

مكارم الشيرازي: مراده أوّل سنة الاستطاعة، و إلّا كان نذره باطلًا، لكون التأخير عصياناً و لا ينعقد النذر في معصية اللّه‌

(6). مكارم الشيرازي: قد عرفت فيما سبق أنّ الاستطاعة ليست لها حقيقة شرعيّة، و إنّما المراد منها الاستطاعة العرفيّة و هي المعتبرة في حجّة الإسلام، و لكنّها أخصّ من الاستطاعة العقليّة المعتبرة في الحجّ المنذور، كما لا يخفى‌

(7). الامام الخميني: لا تكفي القدرة العقليّة، بل يعتبر فيه عدم الحرج و الضرر النفسي؛ و مقصود الماتن أيضاً نفي اعتبار الاستطاعة الشرعيّة، لا وجوب الإتيان مع القدرة العقليّة مطلقاً‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 356‌

خلافاً للدروس (1)؛ و لا وجه له، إذ حاله حال سائر الواجبات الّتي تكفيها القدرة عقلًا (2).

مسألة 16: إذا نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عامه و هو مستطيع، لم ينعقد (3)، إلّا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت، و يحتمل الصحّة (4) مع الإطلاق (5) أيضاً إذا زالت، حملًا لنذره على الصحّة (6).

مسألة 17: إذا نذر حجّاً في حال عدم الاستطاعة الشرعيّة ثمّ حصلت له، فإن كان موسّعاً أو مقيّداً بسنة متأخّرة، قدّم حجّة الإسلام لفوريّتها، و إن كان مضيّقاً بأن قيّده بسنة معيّنة و حصل فيها الاستطاعة (7) أو قيّده بالفوريّة، قدّمه (8)، و حينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: مخالفة الدروس غير معلومة و إن نسب إليه غير واحد، فراجع‌

(2). الخوئي: لعلّه يريد بذلك أنّ النذر غير مشروط بالاستطاعة الشرعيّة المعتبرة في حجّة الإسلام، و إلّا فهو مشروط بالقدرة الشرعيّة بلا إشكال‌

(3). الخوئي: إذا كان نذره متعلّقاً بالإتيان بحجّ آخر غير حجّة الإسلام على تقدير تركه لها، فلا مانع من انعقاده‌

(4). الامام الخميني: و هو الأقوى مع تمشّي القصد منه لا، للحمل على الصحّة، لأنّه لا أصل له، بل لكونه راجحاً بحسب الواقع‌

الگلپايگاني: هذا الاحتمال متعيّن مع عدم الالتفات بوجوب حجّة الإسلام حين النذر أو بعدم تشريع غيرها مع وجوبها أو كان محتملًا للزوال و ذلك لتمشّي القصد و رجحان المتعلّق واقعاً المكشوف بالزوال، لا لما علّله من حمل النذر على الصحّة‌

(5). مكارم الشيرازي: و هذا هو الأقوى إذا حصل منه قصد القربة بنذره، لا لما ذكره من الحمل على الصحّة، فإنّه بالنسبة إلى فعل الغير لا فعل النفس، فتأمّل؛ مضافاً إلى أنّه يجري في مقام الشكّ و ليس هنا شكّ في مراد الناذر، بل لأنّ المنذور كان راجحاً في الواقع في ظرف حصوله و لم يعلم به الناذر إلّا بعد زوال استطاعته؛ هذا، و لكن لا بدّ أن يكون بحيث يقدر على قصد القربة بالنذر، لما عرفت من اعتباره في أصل النذر‌

(6). الخوئي: لا حاجة إلى ذلك، لكفاية الإطلاق في صحّته‌

(7). الخوئي: إن كان المنذور مقصوداً به غير حجّة الإسلام، فحصول الاستطاعة كاشف عن بطلان نذره، و إن كان مطلقاً فيكفي حجّة واحدة عنهما، و منه يعلم حال المطلق أيضاً‌

(8). الامام الخميني: بل يقدّم حجّة الإسلام، و قد مرّ أنّ المانع الشرعيّ ليس شرطاً في الاستطاعة و مع الاستطاعة و وجوب حجّة الإسلام يلغى نذره، و منه يعلم حال احتمال تقديم النذري إذا كان موسّعاً فإنّه ضعيف‌

الگلپايگاني: بل الأقوى وجوب حجّة الإسلام، لكشف الاستطاعة عن عدم كون المنذور مشروعاً حين العمل مع التقييد بتلك السنة و لو بعنوان الفوريّة‌

مكارم الشيرازي: بل الأقوى تقديم حجّة الإسلام و انحلال نذره، لكشف الاستطاعة عنه، فإنّ الرجحان المعتبر في المنذور إنّما هو الرجحان في ظرف العمل لا في ظرف النذر؛ نعم، قد مرّ أنّ وجوب حجّة الإسلام لا يمنع عن غيره إلّا من باب اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه أو عدم الأمر به، و لكنّ الأمر بالضدّين على سبيل الترتّب جائز عندنا، مضافاً إلى صحّة الملاك؛ هذا، و لكن لا يبعد عدم إمكان التقرّب بما يكون الضدّان متّحدان خارجاً متفاوتان بحسب النيّة؛ فتدبّر جيّداً‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 357‌

إلى العام القابل وجبت، و إلّا فلا، لأنّ المانع الشرعيّ كالعقليّ، و يحتمل وجوب تقديم النذر و لو مع كونه موسّعاً، لأنّه دين (1) عليه، بناءً على أنّ الدين و لو كان موسّعاً يمنع عن تحقّق الاستطاعة، خصوصاً مع ظنّ عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام.

مسألة 18: إذا كان نذره (2) في حال عدم الاستطاعة فوريّاً، ثمّ استطاع (3) و أهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الإتيان به في العام القابل مقدّماً (4) على حجّة الإسلام (5) و إن بقيت‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: لكنّه اختار في الدين وجوب حجّة الإسلام مع الوثوق بالتمكّن من أدائه‌

مكارم الشيرازي: هذا الاحتمال ضعيف جدّاً، لأنّ الدين الموسّع غير مانع، كما هو مختاره أيضاً (راجع المسألة 17 ممّا ذكره في شرائط وجوب الحجّ) مضافاً إلى ما قد عرفت من أنّ النذر كسائر الواجبات الشرعيّة وظيفة على المكلّف، و ليس اعتبارها اعتبار الدين، فأدلّة الاستطاعة واردة على أدلّة النذر، لأنّه إذا وجبت حجّة الإسلام انتفى موضوع الرجحان المعتبر في النذر‌

(2). الخوئي: يظهر الحال في هذه المسألة ممّا تقدّم آنفاً [في هذا الفصل، المسألة 17]

(3). الگلپايگاني: قد مرّ أنّ الأقوى وجوب حجّة الإسلام و عدم صحّة النذر مع التقييد بسنة حصول الاستطاعة و لو بعنوان الفوريّة؛ نعم، مع التوسعة و عدم التقييد لو أهمل عن حجّة الإسلام فالظاهر وجوبهما عليه مع تقدّم حجّة الإسلام‌

________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، العروة الوثقى مع التعليقات، دو جلد، انتشارات مدرسه امام على بن ابى طالب عليه السلام، قم - إيران، اول، 1428 ه‍ ق

العروة الوثقى مع التعليقات؛ ج‌2، ص: 357

(4). الامام الخميني: بل حجّة الإسلام مقدّماً على النذري، فحينئذٍ لو كان نذره الحجّ فوراً ففوراً يجب الوفاء به بعد حجّة الإسلام‌

(5). مكارم الشيرازي: بل الأقوى وجوب حجّة الإسل?

فصل في النيابة‌

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب و المندوب، و عن الحيّ (3) في المندوب مطلقاً و في الواجب في بعض الصور.

مسألة 1: يشترط في النائب امور:

أحدها: البلوغ على المشهور؛ فلا يصحّ نيابة الصبيّ عندهم و إن كان مميّزاً، و هو الأحوط (4)، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة، لأنّ الأقوى كونها شرعيّة، و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنّه أخصّ من المدّعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف (5) الأدلّة خصوصاً مع اشتمال جملة من‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: الأقوى الإلحاق بالعجز عن المشي مطلقاً، و قد عرفت أنّ الحكم موافق للقاعدة‌

(2). الامام الخميني: ليس الإلحاق موافقاً للاحتياط من بعض الجهات، فلا يجوز الإلحاق فيما لا يوافقه‌

(3). مكارم الشيرازي: أمّا بالنسبة إلى الميّت فهو من القطعيّات بين أصحابنا و دلّت عليه الروايات الكثيرة، و بالنسبة إلى الحيّ في المندوب فيدلّ عليه أيضاً غير واحد من الروايات (راجع الباب 34 من أبواب النيابة من المجلّد 8 و الباب 25 منه في الوسائل) و أمّا بالنسبة إلى الواجب فقد مرّ الكلام فيه في المسألة (72) من شرائط وجوب الحجّ و أنّه تجب الاستنابة عند استقرار الحجّ على الحيّ مع عدم تمكّنه بعد ذلك لمرض أو حصر أو هرم‌

(4). مكارم الشيرازي: بل هو الأقوى، لما ذكره من انصراف الأدلّة و عدم شمولها له؛ و منع الانصراف كما في الجواهر و غير واحد من الحواشي ممنوع و لا أقلّ من الشكّ، فتبقى أصالة الاشتغال بحالها، و لا فرق بين أن يكون ذلك بإذن الوليّ أو لا‌

(5). الامام الخميني: بل و عدم إطلاق معتدّ به‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 371‌

الأخبار على لفظ الرجل؛ و لا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع، بإذن الوليّ أو عدمه (1) و إن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحجّ المندوب (2) بإذن الوليّ.

الثاني: العقل؛ فلا تصحّ نيابة المجنون الّذي لا يتحقّق منه القصد، مطبقاً كان جنونه أو أدواريّاً في دور جنونه؛ و لا بأس بنيابة السفيه.

الثالث: الإيمان؛ لعدم صحّة عمل غير المؤمن (3) و إن كان معتقداً بوجوبه و حصل منه نيّة القربة؛ و دعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره، كما ترى.

الرابع: العدالة أو الوثوق (4) بصحّة عمله (5)؛ و هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة (6)، لا في صحّة عمله.

الخامس: معرفته بأفعال الحجّ و أحكامه و إن كان بإرشاد معلّم (7) حال كلّ عمل.

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لا يقال: كيف يجوز له الحجّ بغير إذن الوليّ؟ لأنّا نقول: هذا في التبرّع، لا في الإجارة، و لا دليل على أنّ الصبيّ لا يجوز له الإتيان بالمستحبّات، سواء كان لنفسه أو لغيره حتّى أنّ العبد يجوز له الإتيان ببعض المستحبّات الّتي لا تزاحم حقّ المولى، كأن يقرأ القرآن في ساعات فراغه عن نفسه أو أبيه؛ و كونه عبداً مملوكاً لا يقدر على شي‌ء، منصرف قطعاً عن مثل هذه الامور‌

(2). الامام الخميني: محلّ تأمّل‌

الگلپايگاني: بل مقتضى القواعد الصحّة في الواجب أيضاً، لمنع الانصراف و عدم الموضوعيّة للأصل؛ نعم، هو خلاف الاحتياط‌

(3). مكارم الشيرازي: قد عرفت في شرائط صحّة الصوم أنّ شرطيّة الإيمان لصحّة العبادات غير ثابتة، و القدر المعلوم من أحاديث الباب و كلمات الأصحاب اعتباره في قبول العمل و ترتّب الثواب عليه؛ و العجب من بعض من أفتى بالصحّة من المحشّين في الصيام مع قبوله لفتوى الماتن قدس سره هنا‌

(4). الامام الخميني: إنّما يعتبر الوثوق بأصل إتيانه، و أمّا الحكم بصحّة المأتيّ به فالظاهر عدم اعتبار الوثوق بها و لو قبل العمل، فلو علم بأنّه يأتي بالعمل و شكّ في أنّه يأتي به صحيحاً لا يبعد جواز الاستنابة له، و لكنّ الأحوط اعتبار الوثوق‌

(5). الخوئي: تكفي في إحراز الصحّة أصالة الصحّة بعد إحراز عمل الأجير‌

(6). الگلپايگاني: بل في جواز الاكتفاء به مع الشكّ في إتيانه؛ و أمّا مع الشكّ في صحّة ما أتى به فيحكم بالصحّة، و في حجّية قوله مع عدم الوثوق وجهان‌

مكارم الشيرازي: جواز الاستنابة لا يتوقّف عليه، و إنّما يعتبر في قبول قوله و الحكم ببراءة ذمّة المنوب عنه‌

(7). الگلپايگاني: هذا كافٍ لصحّة العمل؛ و أمّا صحّة الإجارة فيشترط فيها كون العمل معلوماً حين الإجارة بحيث لا يكون غرراً‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 372‌

السادس: عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام (1)؛ فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه، و أمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحجّ لنفسه بطل على المشهور (2)، لكنّ الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة و الإجارة، و إلّا فالحجّ صحيح (3) و إن لم يستحقّ الاجرة (4)، و تبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشي‌ء نهياً عن ضدّه، مع أنّ ذلك على القول به و إيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم و العمد، و أمّا مع الجهل (5) أو الغفلة فلا (6)، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير، لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه، حيث إنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، و مع الجهل أو الغفلة لا مانع، لأنّه قادر شرعاً.

مسألة 2: لا يشترط في النائب الحرّيّة، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه و لا تصحّ استنابته بدونه، و لو حجّ بدون إذنه بطل (7).

مسألة 3: يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصحّ النيابة عن الكافر (8)، لا لعدم انتفاعه‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: مرّ الكلام فيه و أنّ الحجّ و الإجارة كلتاهما صحيحتان (راجع المسألة 110 من شرائط وجوب الحجّ)

(2). الامام الخميني: مرّ الكلام فيه مفصّلًا و مرّ تقوية ما عن المشهور و مرّ عدم الفرق بين العلم و العمد و الجهل و الغفلة، و الأقرب عدم صحّة حجّ المستطيع مع تمكّنه من حجّة الإسلام عن غيره إجارةً أو تبرّعاً و لا عن نفسه تطوّعاً مطلقاً‌

(3). الگلپايگاني: مشكل، كما مرّ. و مرّ استحقاق الاجرة مع العمل بأمره على فرض الصحّة و إن كانت الإجارة باطلة‌

(4). الخوئي: أي الاجرة المسمّاة، و إلّا فهو يستحقّ اجرة المثل على الآمر إن لم يكن متبرّعاً بعمله‌

(5). الگلپايگاني: قد مرّ الإشكال في الصحّة مع الجهل و الغفلة، و كذا في صحّة الإجارة‌

الخوئي: إذا لم يكن عن تقصير كما تقدّم‌

(6). مكارم الشيرازي: هذا إذا كان الحجّ و الغفلة عن قصور، لا تقصير؛ و دليله ظاهر‌

(7). الگلپايگاني: إلّا إذا احرز رضاه باطناً، بل لا يبعد الصحّة مع الغفلة عن الحرمة أو موضوعها أو الجهل بهما كالغصب‌

(8). الخوئي: إلّا في الناصب إذا كان أباً للنائب‌

مكارم الشيرازي: لعدم انتفاعه بالعمل عنه، بدليل قوله تعالى: «ما كان للنبيّ و الّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين» و كذلك ما دلّ على نهي النبيّ عن الاستغفار لهم و أنّه لا يغفر اللّه لهم و إن استغفر لهم سبعين مرّة. و الإنصاف أنّه لا فرق بين الاستغفار و الحجّ، لأنّ لحن الآيات تدلّ على عدم انتفاعهم بالأعمال القربيّة؛ و ما قد يقال من أنّه فرق بين الاستغفار و الحجّ لأنّه كأداء الدين موجب لانتفاء موضوع العقاب و هذا غير الاستغفار، كما في سائر موارد الدين، مدفوع بأنّه فرق بين الدين الّذي يكون أمراً توصّلياً (كدين الدرهم و الدينار) و بين ما يكون أمراً تعبّديّاً كالحجّ، فالأوّل يمكن أداؤه عن الكافر الميّت بل يجب، و لكنّ الثاني غير ممكن لأنّه لا يتقرّب إلى اللّه، و أمّا الخمس و الزكاة فقد مرّ في باب الزكاة أنّ لهما جهتين: جهة تعبّديّة و جهة توصّليّة، و قد قام الدليل على أنّ الحاكم الشرعي يأخذهما و لو بعنف مع أنّه ليس فيه قصد القربة، و أمّا قصد القربة من الحاكم فمع أنّه غير مفيد، لا دليل عليه. هذا، و يظهر من غير واحد من روايات أبواب النيابة جواز الحجّ عن الناصبي إذا كان أباً، مثل رواية وهب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ يحجّ الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قلت: فإن كان أبي؟ قال: «إن كان أباك فنعم» (2/ 20 من أبواب النيابة عن الحجّ) و ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام و في ذيله: قلت: و إن كان ناصباً ينفعه ذلك؟ قال: «نعم، يخفّف عنه» (5/ 25 منها) و ما رواه عليّ بن أبي حمزة في باب قضاء الصلاة و في ذيله: قلت: إن كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟ قال: «يخفّف عنه بعض ما فيه» (8/ 12، من أبواب قضاء الصلاة من المجلّد الخامس من الوسائل) و لكن لعلّ المراد منها الناصب الّذي لم يبلغ حدّ الكفر، بقرينة قوله: «لا يرى ما أرى» و إلّا لا يجوز الركون إلى الروايات إذا خالف كتاب اللّه؛ و لذا حكى المحقّق في المعتبر عن الشيخين أنّه لا ينوب عن مخالف في الاعتقاد إلّا أن يكون أباه ثمّ قال: و نحن نقول: ليس كلّ مخالف للحقّ لا يصحّ منه العبادة، و نطالبهم بالدليل عليه ... و الأقرب أن يقال: لا يصحّ النيابة عن الناصب و يعنى به من يظهر العداوة و الشنئان لأهل البيت: و ينسبهم إلى ما يقدح في العدالة كالخوارج و من ماثلهم. ثمّ حكى في ذيل كلامه إنكار بعض المتأخّرين النيابة عن الأب المخالف أيضاً مدّعياً عليه الإجماع، و لكن المحقّق نفسه لم يقبل كلامه (المعتبر ج 2 ص 766).

أقول: لكن تخصيص الآية الشريفة مشكل جدّاً، لأنّ لسانها آبٍ عن التخصيص، كما يشهد له قوله تعالى: «و ما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم» (التوبة 114) فالنيابة عن الأب الناصبي أيضاً مشكل‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 373‌

بالعمل عنه، لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه (1)، بل لانصراف‌

______________________________
(1). الامام الخميني: محلّ إشكال، و إلّا فتصحّ الإجارة على القاعدة، و ما في موثّقة إسحاق من تخفيف عذاب الناصب إنّما هو في إهداء الثواب لا في النيابة؛ نعم، ظاهر رواية عليّ بن أبي حمزة جواز النيابة عن الناصب، لكن مع ضعف سندها تحمل على إهداء الثواب، جمعاً بينها و بين مثل صحيحة وهب بن عبد ربّه حيث نهى عن الحجّ عن الناصب و استثنى الأب، و لا بأس بالعمل بها، فلا تجوز النيابة عن الكافر؛ إذ مضافاً إلى الصحيحة أنّ اعتبار النيابة عمّن لا يصحّ منه العمل محلّ إشكال؛ نعم، لو فرض الانتفاع به بنحو إهداء الثواب لا يبعد صحّة الاستيجار لذلك، أي للحجّ الاستحبابي لإهداء الثواب، و هو موافق للقاعدة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 374‌

الأدلّة (1)، فلو مات مستطيعاً و كان الوارث مسلماً لا يجب عليه استيجاره عنه.

و يشترط فيه أيضاً كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب؛ فلا تصحّ النيابة عن الحيّ في الحجّ الواجب إلّا إذا كان عاجزاً، و أمّا في الحجّ الندبيّ فيجوز عن الحيّ و الميّت تبرّعاً أو بالإجارة.

مسألة 4: تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز و المجنون (2)، بل يجب الاستيجار عن المجنون إذا استقرّ عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً.

مسألة 5: لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الانوثة، فتصحّ نيابة المرأة عن الرجل كالعكس؛ نعم، الأولى المماثلة (3).

مسألة 6: لا بأس باستنابة الصرورة (4)، رجلًا كان أو امرأةً، عن رجل أو امرأة؛ و القول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلًا، ضعيف؛ نعم، يكره ذلك، خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلًا (5)،

______________________________
(1). الگلپايگاني: الانصراف محلّ تأمّل، فالأحوط الاستيجار عنه و إن لم ينتفع به حتّى بتخفيف العقاب، فيكون كأداء الدين موجباً لانتفاء موضوع العقاب كمن لا يستطيع و هذا غير الاستغفار كي يمنع بالآية كما في الدين و إلّا فالآية آبية عن التخصيص‌

(2). الخوئي: صحّة النيابة عن المجنون لا تخلو عن إشكال في غير فرض استقرار الحجّ عليه‌

الگلپايگاني: إن كان له إفاقة في زمان يسع للحجّ، و إلّا فجواز النيابة عنه محلّ منع‌

مكارم الشيرازي: الظاهر أنّه لا دليل عليه إلّا إطلاق روايات النيابة، و لكنّه لا يخلو عن شبهة في الصبيّ المميّز الّذي لم يستقرّ عليه الحجّ‌

(3). الگلپايگاني: بل لا يبعد أفضليّة الرجل حتّى عن المرأة‌

مكارم الشيرازي: هذا بالنسبة إلى الرجل معلوم، و أمّا بالنسبة إلى المرأة فقد يستشكل فيه، لخبر سليمان بن جعفر قال: سألت الرضا عليه السلام عن المرأة الصرورة حجّت عن امرأة صرورة، فقال عليه السلام: «لا ينبغي» (3/ 9 من أبواب النيابة من المجلّد 8)؛ اللّهم إلّا أن يقال أنّها في خصوص الصرورة؛ مضافاً إلى أنّ في سند الرواية بعض المجاهيل كعليّ بن أحمد بن أشيم؛ فراجع‌

(4). الخوئي: بل الأحوط في الاستنابة عن الرجل الحيّ أن يكون النائب رجلًا و صرورة‌

(5). مكارم الشيرازي: الكراهة بالنسبة إلى نيابتها عن الرجل معلومة، و أمّا بالنسبة إلى المرأة فلا تخلو عن إشكال؛ أمّا الأوّل، لدلالة غير واحد من الروايات عليه (راجع الباب 8 و 9 من أبواب النيابة) و أمّا بالنسبة إلى نيابتها عن المرأة فلأنّ خبر سليمان بن جعفر (3/ 9) الدالّ عليه لا يخلو عن ضعف في سنده؛ نعم، بناءً على المسامحة في سند المستحبّات و المكروهات لا بأس بهذا القول، و لكنّها غير صحيحة، كما ذكرنا في محلّه‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 375‌

بل لا يبعد (1) كراهة استيجار الصرورة و لو كان رجلًا عن رجل (2).

مسألة 7: يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة (3) و تعيين المنوب عنه في النيّة و لو بالإجمال، و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحبّ ذلك (4) في جميع المواطن و المواقف.

مسألة 8: كما تصحّ النيابة بالتبرّع و بالإجارة، كذا تصحّ بالجعالة، و لا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بإتيان النائب صحيحاً و لا تفرغ بمجرّد الإجارة؛ و ما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً و كفاية الإجارة في فراغه (5) منزّلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحجّ إذا قصر النائب في الإتيان، أو مطروحة، لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.

مسألة 9: لا يجوز (6) استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال (7)، بل لو تبرّع المعذور يشكل‌

______________________________
(1). الامام الخميني: فيه إشكال، بل مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صرورة مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و له مال، قال: «يحجّ عنه صرورة لا مال له» استحباب ذلك؛ نعم، تخرج منها المرأة الصرورة على فرض إطلاقها. و في دلالة مكاتبتي إبراهيم بن عقبة و بكر بن صالح على الكراهة نظر‌

الگلپايگاني: فيه تأمّل، بل يحتمل عدم كراهة الصرورة حتّى في المرأة إن كانت عالمة بالأحكام‌

(2). مكارم الشيرازي: فيه إشكال، بل يظهر من بعض روايات الباب استحبابه (راجع مصحّحة معاوية بن عمّار: 1/ 28 من أبواب وجوب الحجّ)

(3). الگلپايگاني: على ما مرّ في الصلاة، فراجع‌

مكارم الشيرازي: قد ذكرنا في مبحث صلاة القضاء أنّ قصد النيابة أمر ظاهر عرفي و هو في الحقيقة عبارة عن أداء ما على غيره، مالًا كان أو فعلًا. و التدقيق الكثير في هذه الامور، كما يظهر من بعضهم، ربّما يوجب الخفاء و الوسوسة‌

(4). مكارم الشيرازي: راجع الباب 16 من أبواب النيابة‌

(5). الخوئي: لا دلالة لتلك الأخبار على كفاية الإجارة في فراغ ذمّة المنوب عنه في الفرض‌

(6). الگلپايگاني: على الأحوط‌

(7). مكارم الشيرازي: الأقوى جوازه فيما يتعارف من الأعذار لعامّة الناس، لإطلاق أخبار النيابة و عدم التعرّض لهذا القيد في شي‌ء منها، لا سيّما مع أنّ سفر الحجّ لا يخلو غالباً عن طروّ بعض هذه الامور بالنسبة إلى كثير من الناس، و لو منع من ذلك أشكل الأمر على كثير من النائبين، كما لا يخفى على من زار بيت اللّه الحرام‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 376‌

الاكتفاء به.

مسألة 10: إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك، فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه (1)، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلّا بالإتيان، بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه. و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلك في الحاجّ عن نفسه، لاختصاص ما دلّ عليه به، و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثّقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان و حسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه، المقيّدة بمرسلة المقنعة: «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة» الشاملة (2) للحاجّ عن غيره أيضاً (3)؛ و لا يعارضها موثّقة عمّار (4) الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق، و ضعفها سنداً بل و دلالةً منجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة.

و أمّا إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم، ففي الإجزاء قولان؛ و لا يبعد الإجزاء (5) و إن لم نقل به في الحاجّ عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام، و القدر المتيقّن من التقييد هو‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لو لم تكن المسألة إجماعيّة، أمكن القول بالإجزاء إذا مات في الطريق مطلقاً، لظهور غير واحد من روايات الباب فيه، كرواية حسين بن يحيى، فإنّ قوله: «فإن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» له ظهور تامّ في أنّ المدار على الموت في المنزل و الموت في الطريق (4/ 15 من أبواب النيابة) و لكنّها مرسلة و إن كان في السند «ابن أبي عمير»، فتأمّل‌

(2). الگلپايگاني: شمولها له محلّ تأمّل‌

(3). مكارم الشيرازي: شموله للحاجّ عن غيره مشكل جدّاً، فإنّ قوله عليه السلام في ذيل المرسلة: «و ليقض عنه وليّه» ظاهر في كون الحجّ لنفسه (راجع 4/ 26 من أبواب وجوب الحجّ)

(4). الگلپايگاني: بل يمكن أن يقال بمعارضتها لموثّقة إسحاق، فهذه محمولة على الموت قبل الإحرام و دخول الحرم و موثّقة إسحاق محمولة على الموت بعدهما؛ و شاهد الجمع الأخبار المفصّلة في الحاجّ لنفسه‌

(5). الگلپايگاني: بل بعيد، سيّما على مبناه قدس سره حيث إنّ المرسلة ليس فيها إلّا التقييد بالدخول في الحرم، و كونه كناية عن الإحرام في غاية البعد‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 377‌

اعتبار كونه بعد الإحرام، لكنّ الأقوى عدمه (1)، فحاله حال الحاجّ عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء.

و الظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام و غيرها من أقسام الحجّ و كون النيابة بالاجرة أو بالتبرّع (2).

مسألة 11: إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم (3)، يستحقّ تمام الاجرة إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة (4)، و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ بمعنى الأعمال (5) المخصوصة، و إن مات قبل ذلك لا يستحقّ شيئاً؛ سواء مات قبل‌

______________________________
(1). الخوئي: بل الأقوى هو الإجزاء‌

مكارم الشيرازي: بل الأحوط ذلك، لأنّ إطلاق موثّقة إسحاق يدلّ على الإجزاء، بل يدلّ على الإجزاء قبل الإحرام، و لكنّها مقيّدة من هذه الناحية بالإجماع، فيبقى الإجزاء فيما بعد الإحرام بحاله؛ نعم، بعد ما قلنا بعدم الإجزاء في الأصيل إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم يشكل الفصل بينه و بين النائب، و هذا هو دليل الاحتياط‌

(2). الامام الخميني: فيه إشكال، بل في غير حجّة الإسلام لا يخلو من إشكال‌

(3). الخوئي: بل بعد الإحرام و لو قبل دخول الحرم‌

(4). الگلپايگاني: بل لا يبعد الاستحقاق تعبّداً و إن كان أجيراً على الأعمال؛ و أمّا الإجارة على التفريغ فلا معنى له، بل متعلّق الإجارة في الحجّ البلدي المشي إلى بيت اللّه الحرام و الإتيان بالمناسك المخصوصة نيابةً عن المنوب عنه على ما هو المرتكز عرفاً‌

مكارم الشيرازي: قد يقال أنّه لا يمكن الإجارة على تفريغ الذمّة، كما في بعض الحواشي، و لكنّه عجيب، لأنّ الإجارة على المسبّب ممكن كالإجارة على السبب، لأنّه مقدور بالواسطة و ما يكون مقدوراً بالواسطة تجوز الإجارة عليه، و كم له من نظير في أبواب الإجارات‌

(5). الامام الخميني: إذا فرض أنّ الإجارة على نفس الأعمال المخصوصة و لم تكن المقدّمات داخلة، لا يستحقّ شيئاً قبل الإحرام، و أمّا نفس الإحرام فمع الإطلاق أي عدم استثنائه فداخل في العمل المستأجر عليه و يستحقّ الاجرة بالنسبة إليه، و أمّا الذهاب إلى مكّة بعد الإحرام فليس داخلًا، فلا يستحقّ الاجرة بالنسبة إليه مع كون الإجارة على نفس المناسك، كما لا يستحقّ على الذهاب إلى عرفات و منى مع هذا الفرض. و أمّا مع كون المشي و المقدّمات داخلًا في الإجارة فيستحقّ بالنسبة إليها مطلقاً؛ سواء كانت مطلوبة نفساً أو من باب المقدّمة، إلّا أن تكون الاجرة على المقدّمات الموصلات؛ هذا كلّه مع التصريح بكيفيّته، و مع الإطلاق فالظاهر التوزيع بالنسبة إلى المقدّمات و ما فعل من الأعمال، و تنظيره بإفساد الصلاة في غير محلّه؛ نعم، مع الإطلاق يستحقّ تمام الاجرة إذا أتى بالمصداق العرفي الصحيح و لو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم، فلو مات بعد الإحرام و دخول الحرم قبل إتيان شي‌ء آخر لا يستحقّ اجرة غير ما أتى به و إن سقط الحجّ عن الميّت، فإنّ السقوط ليس لأجل الإتيان بالمصداق العرفي بل هو من باب التعبّد، و أمّا لو أتى بالحجّ و نسي الطواف أو بعضه مثلًا و مات يستحقّ تمام الاجرة للصدق، و هذا نظير نسيان بعض أجزاء الصلاة المستأجرة مع عدم إضراره بالصحّة و الاسم‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 378‌

الشروع في المشي أو بعده، و قبل الإحرام أو بعده (1) و قبل الدخول في الحرم، لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلًاّ و لا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه (2)؛ من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي و نحوه؛ نعم، لو كان المشي داخلًا في الإجارة على وجه الجزئيّة، بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً، استحقّ مقدار ما يقابله من الاجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلًا أصلًا أو كان داخلًا فيها لا نفساً بل بوصف المقدّميّة؛ فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاجرة عليه أيضاً مطلقاً، لا وجه له (3)، كما أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استوجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أبطلت (4) صلاته، فإنّه لا إشكال في أنّه لا يستحقّ الاجرة على ما أتى به؛ و دعوى أنّه و إن كان لا يستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اجرة المثل لما أتى به، حيث إنّ عمله محترم، مدفوعة بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض أنّه لم يكن مغروراً من قبله، و حينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة‌

______________________________
(1). الخوئي: مرّ استحقاقه فيما إذا مات بعد الإحرام‌

(2). الگلپايگاني: هذا إذا كان المستأجر عليه كلّياً بقيد المجموع أو التفريغ، و إلّا فعدم الإجزاء لا ينافي توزيع مال الإجارة على مورد الإجارة، و قد مرّ أنّ المرتكز هو الإجارة على المشي و المناسك، فيستحقّ مقدار ما قابل المأتيّ منها و إن كان غير مفيد‌

(3). الگلپايگاني: بل هو الأوجه، إلّا مع التصريح بمقابلة الثمن بالأعمال و معه يستحقّ مقدار ما يقابل المأتيّ منها و لو مع عدم الإجزاء، فيستحقّ للإحرام و سائر أعماله و إن لم يدخل في الحرم؛ و معلوم أنّ الإحرام مع بعد الطريق أغلىٰ منه مع عدمه‌

مكارم الشيرازي: قد يقال: المرتكز في الأذهان هو التوزيع بحسب القاعدة، و لكنّه ممنوع، بل المرتكز أداء ما يوجب فراغ الذمّة، سواء كان بإتيان الأعمال أو بقبول الشارع، كما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم؛ و أمّا إذا لم يحصل تفريغ الذمّة، لم يكن في المشي فائدة فعلًا‌

(4). الگلپايگاني: بل هو نظير موت الأجير في أثناء الصلاة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 379‌

معيّنة (1)، و يجب عليه (2) الإتيان به (3) إذا كانت مطلقة (4) من غير استحقاق لشي‌ء على التقديرين.

مسألة 12: يجب في الإجارة تعيين (5) نوع الحجّ من تمتّع أو قران أو إفراد. و لا يجوز للموجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر (6) بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع كما في الحجّ المستحبيّ (7) و المنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة و خارجها؛ و أمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ، فلا ينفع رضاه (8) أيضاً بالعدول إلى غيره، و في صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطيّة (9) و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس (10) إن كان بعنوان القيديّة (11)، و على أىّ تقدير يستحقّ الاجرة المسمّاة و إن لم يأت‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: مع دخل المباشرة؛ و مع عدمه فيجب الاستيجار من تركته و هو المقصود من الوجوب عليه مع الإطلاق‌

(2). الامام الخميني: فيتعلّق ما عليه بتركته؛ و كذا الحال لو كانت الإجارة في السنة المعيّنة أعمّ من المباشرة و مات و يمكن الإحجاج من ماله في السنة المزبورة‌

(3). الخوئي: في العبارة تشويش، و الصحيح أن يقال: إنّ الإجارة إذا كانت مقيّدة بالمباشرة فهي تنفسخ بالموت، من غير فرق بين أن تكون الإجارة في سنة معيّنة أو كانت مطلقة، و أما إذا لم يقيّد الإجارة بالمباشرة وجب الاستيجار من تركة الأجير، من غير فرق أيضاً بين السنة المعيّنة و غيرها‌

(4). مكارم الشيرازي: المفروض فوت الأجير بعد ذلك، فكيف يأتي به؟!

(5). الخوئي: بالمعنى المقابل للفرد المبهم، و أمّا الإجارة على الجامع فالظاهر جوازها‌

(6). الگلپايگاني: و أذن له على الأحوط‌

(7). مكارم الشيرازي: سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه عند تعرّض المصنّف قدس سره له، و منه يظهر حال النذر المطلق أيضاً‌

(8). الخوئي: في براءة ذمّة المستأجر، لا في استحقاق الأجير للُاجرة‌

الگلپايگاني: في براءة ذمّة المستأجر، لكن يستحقّ الاجرة المسمّاة لو عدل بإذنه‌

مكارم الشيرازي: و ما قد يقال: إنّ الأجير يستحقّ الاجرة المسمّاة لو عدل بإذنه و لو لم ينفع في براءة ذمّة المستأجر كما في بعض الحواشي، لا يخلو عن إشكال، لأنّ استحقاق اجرة المثل أو الاجرة المسمّاة في عمل يكون كاللغو مع كونهما عالمين بذلك، محلّ كلام و إن كان بأمر المستأجر أو إذنه‌

(9). الخوئي: الاشتراط في أمثال المقام يرجع إلى التقييد حسب الارتكاز العرفيّ‌

(10). الامام الخميني: يمكن تطبيق الوفاء بغير الجنس في الديون الماليّة على القواعد، و أمّا مثل الحجّ و التعبّديّات فمشكل؛ نعم، إجازة العدول يمكن أن تكون رفع اليد عن المعدول عنه و إيقاع إجارة على المعدول إليه بالمسمّى أو أمر بإتيانه كذلك، فمع الإتيان يستحقّ المسمّى‌

(11). مكارم الشيرازي: كون شي‌ء شرطاً للمستأجر عليه أو قيداً ليس بحسب الألفاظ المذكورة في العقد، بل التفاوت بينهما إنّما هو بنظر العرف و العقلاء، فما كان مأخوذاً في ذات الشي‌ء كان قيداً و ما كان خارجاً عن ذاته كان شرطاً، من دون فرق بين الألفاظ و العبارات؛ و حيث إنّ تفاوت أنواع الحجّ إنّما هو بحسب ذاتها، فما نحن فيه من قبيل القيد و إن ذكر بلسان الشرط‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 380‌

بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع (1) الّذي عيّنه فقد وصل إليه ما له على الموجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه.

و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول؛ هذا، و يظهر من جماعةٍ جواز العدول إلى الأفضل، كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع، لخبر أبي بصير (2) عن أحدهما عليهما السلام في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ بها مفردة أ يجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال عليه السلام: «نعم، إنّما خالف إلى الأفضل»؛ و الأقوى ما ذكرنا، و الخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين، جمعاً بينه و بين خبر آخر (3) في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال عليه السلام: «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؛ لا يخالف صاحب الدراهم». و على ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلّا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك، لا يستحقّ الاجرة (4) في صورة التعيين على وجه القيديّة (5) و إن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه و مفرّغاً لذمّته إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن، و أمّا إذا كان‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: و أذن له على الأحوط‌

(2). الامام الخميني: الإنصاف أنّ رفع اليد عن خبر أبي بصير مع كونه صحيحاً على الظاهر و عمل به جملة من الأصحاب مشكل كرفع اليد عن القواعد، فالمسألة مشكلة، و الأحوط عدم العدول إلّا برضاه؛ و أمّا الجمع الّذي ارتكبه ففرع حجيّة الخبر المذكور و هو قاصر عن الحجيّة بجهالة «عليّ» الّذي روىٰ عنه ابن محبوب و عدم الدليل على كونه ابن رئاب و عدم مدح معتدّ به عن هيثم بن أبي مسروق‌

(3). الخوئي: هذا الخبر ضعيف، فإنّه من غير المعصوم عليه السلام. و العمدة أنّ الرواية الاولى غير ظاهرة في التعبّد، بقرينة التعليل، فهي منزّلة على صورة العلم برضا المستأجر كما هو الغالب في موردها‌

مكارم الشيرازي: لا نحتاج إلى الجمع، بل الظاهر أنّ خبر أبي بصير بذاته منصرف إلى ما إذا كان المستأجر راضياً بالأفضل و لا أقلّ أنّه القدر المتيقّن منه، و لا إطلاق له فيما زاد على ذلك‌

(4). الامام الخميني: الأحوط مع العدول التخلّص بالتصالح‌

(5). مكارم الشيرازي: قد عرفت أنّ المقام (أنواع الحجّ) من قبيل القيد دائماً و إن ذكر بلسان الشرطيّة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 381‌

على وجه الشرطيّة (1) فيستحقّ، إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط، إذ حينئذٍ لا يستحقّ المسمّى بل اجرة المثل.

مسألة 13: لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحجّ البلديّ، لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً؛ و لكن لو عيّن، تعيّن و لا يجوز العدول عنه إلى غيره، إلّا إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته و إنّما ذكره على المتعارف، فهو راضٍ بأىّ طريق كان، فحينئذٍ لو عدل صحّ و استحقّ تمام الاجرة، و كذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه؛ فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصيّة ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز عن رجل أعطى رجلًا حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة، فقال عليه السلام: «لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه»، إذ هي محمولة (2) على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب، مع أنّها (3) إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو، لا من حيث كونه عملًا مستأجراً عليه كما هو المدّعى، و ربما تحمل على محامل اخر، و كيف كان لا إشكال في صحّة حجّه و براءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصيّة الطريق المعيّن؛ إنّما الكلام في استحقاقه الاجرة المسمّاة على تقدير العدول و عدمه، و الأقوى أنّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة و يسقط منه (4) بمقدار المخالفة (5) إذا كان الطريق معتبراً في‌

______________________________
(1). الخوئي: مرّ أن مرجع الاشتراط إلى التقييد في أمثال المقام‌

(2). الخوئي: لا قرينة على هذا الحمل‌

(3). الگلپايگاني: هذا الاحتمال خلاف الظاهر‌

(4). الگلپايگاني: السقوط محلّ منع، بل الظاهر ضمان الأجير لما خالف، فعليه القيمة؛ نعم، للمستأجر أن يفسخ الإجارة فيأخذ من المسمّى بمقدار المخالفة‌

(5). مكارم الشيرازي: الأقوى في جميع الصور صحّتها و استحقاقه للمسمّى بمقداره. و حاصل كلامه إنّ هنا صُوراً ثلاثة: إحداها: ما إذا قصد الطريق المعيّن في الحجّ بعنوان القيديّة، فلو خالف لا يستحقّ من المسمّى شيئاً؛ الثانية: أن يقصد الطريق بعنوان الجزئيّة و يستحقّ من المسمّى بمقدار ما أتى من المستأجر عليه، أعني الحجّ بدون الطريق المعيّن؛ الثالثة: أن يجعل سلوك الطريق المعيّن شرطاً، فيستحقّ تمام الاجرة مع خيار المستأجر و حقّ فسخه؛ و لكن قد عرفت أنّ الأقرب في جميع الصُّور صحّته و استحقاقه للمسمّى بمقداره، و ذلك لأنّ المفروض أنّ اعتبار الطريق من باب تعدّد المطلوب و لذا حكم ببراءة ذمّة المنوب عنه، و من المعلوم أنّه إذا كان الواقع على نحو تعدّد المطلوب لا يتغيّر عمّا هو عليه بتغيير الألفاظ و العبارات مع بناء العرف على تقسيط المسمّى في باب تعدّد المطلوب، و لذا أفتى الأصحاب بأنّه إذا باع ما يملك و ما لا يملك يصحّ البيع فيما يملك بقسط من الثمن، و لم يفرّقوا بين العبارات المختلفة؛ و كذلك في باب خيار العيب، فلو اشترى إنسان حيواناً للُاضحيّة في الحجّ و كان فيه بعض العيوب فالظاهر أنّ له خيار العيب و لا يصغى إلى أنّه قصد الصحّة بعنوان القيديّة، لعدم الفائدة في المعيوب له. و من هذا كلّه يظهر أنّ المدار في هذه الموارد على كون شي‌ء قيداً مقوّماً أو جزءاً غير مقوّم أو شرطاً بنظر أهل العرف، من دون فرق بين العبارات المختلفة، كما عرفت سابقاً أيضاً‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 382‌

الإجارة على وجه الجزئيّة، و لا يستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيديّة (1)، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذٍ و إن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به، لأنّه حينئذٍ متبرّع بعمله؛ و دعوى أنّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استوجر عليه فيستحقّ بالنسبة، و قصد التقييد بالخصوصيّة لا يخرجه عرفاً عن العمل ذي الأجزاء، كما ذهب إليه في الجواهر، لا وجه لها (2). و يستحقّ تمام الاجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطيّة الفقهيّة (3) بمعنى الالتزام في الالتزام؛ نعم، للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط، فيرجع إلى اجرة المثل.

مسألة 14: إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرةً في سنة معيّنة، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرةً أيضاً، بطلت الإجارة الثانية، لعدم القدرة (4) على العمل بها بعد وجوب العمل بالاولى؛ و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما، صحّتا معاً؛ و دعوى بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاولى لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة، ممنوعة، فالأقوى الصحّة، هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحجّ بلا اشتراط المباشرة؛ و أمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه (5)، و كذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة‌

______________________________
(1). الامام الخميني: بمعنى أنّ الحج المتقيّد بالطريق الخاصّ يكون مورداً للإجارة‌

(2). الگلپايگاني: بل لها وجه، إلّا إذا قيّد الحجّ بالتعقّب بطريق مخصوص‌

(3). الگلپايگاني: لا يبعد جريان ما ذهب إليه في الجواهر في هذه الصورة أيضاً غير ما استثني في الفرع السابق‌

(4). الامام الخميني: في التعليل تأمّل‌

(5). مكارم الشيرازي: التعبير بالتحصيل غير مناسب، فالأولى أن يقال: إذا آجر نفسه لإفراغ ذمّة فلان عن الحجّ أو شبه ذلك‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 383‌

إحداهما، بل و كذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف (1) إلى التعجيل.

و لو اقترنت الإجارتان، كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد، بطلتا معاً (2) مع اشتراط المباشرة فيهما (3).

و لو آجره فضوليّان (4) من شخصين مع اقتران الإجارتين، يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران؛ و لو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضوليّ من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه، ليس له إجازة ذلك العقد و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة، بدعوى أنّها حينئذٍ تكشف عن بطلان إجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة الإجازة حتّى تكون كاشفة، و انصراف أدلّة صحّة الفضوليّ عن مثل ذلك.

مسألة 15: إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير، بل و لا التقديم، إلّا مع رضى المستأجر؛ و لو أخّر لا لعذر، أثم و تنفسخ الإجارة (5) إن كان التعيين على وجه التقييد،

______________________________
(1). الگلپايگاني: صحّة الإجارة بمجرّد عدم الانصراف مشكل، فلا يُترك الاحتياط إلّا مع ظهورهما أو ظهور أحدهما في جواز التأخير‌

(2). الامام الخميني: بطلانهما مع الاشتراط الفقهي محلّ إشكال؛ نعم، لو أوقعاها لإتيانه مباشرةً بطلا‌

(3). مكارم الشيرازي: مجرّد اقتران الإجارتين لا يوجب البطلان، بل البطلان إنّما يكون إذا كان وقت العمل واحد أيضاً. و الّذي يظهر من بعض النسخ أنّ في العبارة هنا سقطاً، و الصحيح: (و لو اقترنت الإجارتان، كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد، بطلتا معاً) و يشهد للسقط ذكر الإجارتين بدل الإجارتان‌

(4). الامام الخميني: مع إيقاعهما على النحو المتقدّم آنفاً؛ و كذا الحال في الفرع الآتي‌

(5). الامام الخميني: لا يبعد تخيّر المستأجر بين الفسخ و مطالبة الاجرة المسمّاة و بين عدمه و مطالبة اجرة المثل بعد إعطاء الاجرة المسمّاة، و لا فرق في ذلك أو انفساخ الإجارة على القول به بين كون التأخير لعذر أو لا‌

الخوئي: هذا إذا فسخ المستأجر و له عدم الفسخ و مطالبة الأجير بأُجرة المثل‌

الگلپايگاني: انفساخ الإجارة محلّ منع، بل الأقوى تخيير المستأجر بين الفسخ و مطالبة الاجرة المسمّاة و عدمه و مطالبة اجرة المثل‌

مكارم الشيرازي: قد يقال بأنّه لا تنفسخ الإجارة لعدم الموجب للانفساخ القهري، بل يتخيّر المستأجر بين فسخه و بين إبقائه و إعطاء اجرته (اجرة المسمّى) ثمّ مطالبته بأُجرة المثل، و ذلك لأنّه ملك في ذمّته الحجّ في السنة المعيّنة؛ هذا، و لكن يرد عليه أوّلًا: أنّ متعلّق الإجارة لا بدّ أن يكون أمراً ممكناً، و بعد مضيّ تلك السنة يكون محالًا، فتنفسخ، لا أنّه تبقى في ذمّته، ففي الحقيقة تبدّل الأمر الممكن بالمحال هنا و يؤيّد ذلك بناء العرف في هذه الموارد على الانفساخ قهراً، فلو أنّ إنساناً كان أجيراً على إجراء صيغة عقد فلم يعمل بوظيفته حتّى وقع عقد النكاح بإجراء الصيغة من ناحية غيره، فالظاهر حكمهم بالبطلان حينئذٍ لإبقاء الإجارة و تخييره بين إعطاء مال الإجارة و أخذ اجرة المثل أو فسخ الإجارة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 384‌

و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطيّة (1) و إن أتى به مؤخّراً لا يستحقّ الاجرة على الأوّل و إن برئت ذمّة المنوب عنه به، و يستحقّ المسمّاة على الثاني إلّا إذا فسخ المستأجر، فيرجع إلى اجرة المثل. و إذا أطلق الإجارة (2) و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال، و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذٍ و عدمه وجهان (3)، من أنّ الفوريّة ليست توقيتاً، و من كونها بمنزلة الاشتراط.

مسألة 16: قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معيّنة، ثمّ آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا؟ فيه تفصيل، و هو أنّه إن كانت الاولى واقعة على العمل في الذمّة (4) لا تصحّ الثانية‌

______________________________
(1). الخوئي: مرّ أنّ الاشتراط في أمثال المقام يرجع إلى التقييد‌

مكارم الشيرازي: قد عرفت أنّ التقييد و الاشتراط لا يكونان بتغيير الألفاظ، بل المدار على الواقع؛ فإن كان من قبيل تعدّد المطلوب كما هو مورد الكلام، كان من قبيل الجزء أو الشرط لا محالة، و لا معنى للتقييد فيه؛ و حيث إنّ المقام من قبيل الشرط، فلو لم يفسخ كان للأجير اجرة المسمّى، و إن فسخ كان له اجرة المثل‌

(2). الخوئي: إذا كان الإطلاق منصرفاً إلى التعجيل كان راجعاً إلى التوقيت، و إن لم يكن منصرفاً إليه لم يجب التعجيل إلّا مع المطالبة‌

(3). الامام الخميني: إن قلنا بأنّ وجوب التعجيل لأجل انصراف العقد إلى ذلك ففي بطلان العقد و عدمه و ثبوت الخيار وجهان، و إن قلنا بأنّ الوجوب حكم شرعي فالظاهر عدم البطلان و عدم ثبوت الخيار‌

مكارم الشيرازي: الأقوى كونه بمنزلة الاشتراط، لأنّ التعجيل- لو قلنا به- إنّما يكون من جهة انصراف العقد إليه و حينئذٍ يكون من قبيل الاشتراط‌

(4). الامام الخميني: أي كان متعلّق الإجارة الحجّ المباشري في هذه السنة فحينئذٍ لا تصحّ الثانية بالإجازة بلا إشكال؛ و أمّا إذا اشترط المباشرة أو كونه في هذه السنة فالإجازة إسقاط الاشتراط، فيرفع التزاحم، فتصحّ الثانية بلا مزاحم‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 385‌
<![endif]-->

بالإجازة (1)، لأنّه لا دخل للمستأجر بها (2) إذا لم تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها، و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له، جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله، و كذا الحال في نظائر المقام، فلو آجر نفسه ليخيط لزيدٍ في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني، و أمّا إذا ملّكه منفعته الخياطيّ فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة (3) لعمرو جاز له إجازة هذا العقد، لأنّه تصرّف في متعلّق حقّه، و إذا أجاز يكون مال الإجارة له، لا للموجر؛ نعم، لو ملك منفعة خاصّة كخياطة ثوب معيّن أو الحجّ عن ميّت معيّن على وجه التقييد، يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته.

مسألة 17: إذا صُدّ الأجير أو احصر، كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة و يبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد، و لا يجزي عن المنوب عنه و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار، و القياس عليه لا وجه له؛ و لو ضمن الموجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، و القول بوجوبه ضعيف؛ و ظاهرهم استحقاق الاجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، و هو مشكل (4)، لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه‌

______________________________
(1). الخوئي: بل تصحّ معها، فإنّ الإجازة راجعة إلى إسقاط الشرط أو إلى التوسعة في الوفاء أو فسخ الإجارة الاولى، و على جميع التقادير تصحّ الإجارة الثانية؛ و كذا الحال في نظائر المسألة‌

الگلپايگاني: و يمكن تصحيحها بالإجازة بإسقاط المستأجر حقّه المتعلّق بمباشرة الأجير، حيث إنّ فرض المسألة فيما يعتبر فيه المباشرة فيكون نظير إجازة المرتهن بيع الراهن، و يكون مال الإجارة للمؤجر لا للمجيز‌

(2). مكارم الشيرازي: على الأحوط. و قد يقال: يمكن تصحيح الثانية بإسقاط المستأجر الأوّل حقّه كإسقاط حقّ الرهانة، فتكون الإجارة الثانية بلا مزاحم، و لكن لا يخفى أنّه من قبيل من باع ثمّ ملك ثمّ أجاز، و فيه إشكال معروف‌

(3). الامام الخميني: إذا ملّك منفعة الكتابة أيضاً‌

الگلپايگاني: مع فرض كونه مالكاً للكتابة أيضاً‌

(4). الامام الخميني: لا إشكال فيه كما مرّ، و يأتي فيه التفصيل المتقدّم‌

الگلپايگاني: بل هو الأقوى، كما مرّ‌

مكارم الشيرازي: بل الأقوى عدم استحقاقه؛ و قد تقدّم حكم المسألة و دليلها في المسألة الحادية عشرة أيضاً‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 386‌

و عدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ و الحصر، و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها. و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري، لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحقّ اجرة المثل أيضاً.

مسألة 18: إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة، فهو من ماله.

مسألة 19: إطلاق الإجارة (1) يقتضي التعجيل، بمعنى الحلول في مقابل الأجل، لا بمعنى الفوريّة، إذ لا دليل عليها، و القول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف (2)، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة و وجوب المبادرة معها.

مسألة 20: إذا قصرت الاجرة، لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد؛ نعم، يستحبّ الإتمام كما قيل، بل قيل: يستحبّ على الأجير أيضاً ردّ الزائد.

و لا دليل بالخصوص على شي‌ء من القولين؛ نعم، يستدلّ على الأوّل بأنّه معاونة على البرّ و التقوى، و على الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة.

مسألة 21: لو أفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر، فكالحاجّ عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحجّ من قابل و كفّارة بدنة، و هل يستحقّ الاجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل و أنّ الثاني عقوبة، أو هو الثاني و أنّ الأوّل عقوبة؛ قد يقال‌

______________________________
(1). الامام الخميني: مع عدم انصراف في البين‌

(2). الگلپايگاني: الأحوط الإتيان فوراً ففوراً ما لم يشترط الأجل، إلّا مع الرضا بالتأخير‌

مكارم الشيرازي: العبارة لا تخلو عن تهافت، اللّهم إلّا أن يكون التعجيل الثاني بمعنى الفوريّة. و على كلّ حال، الظاهر عند إطلاق الإجارة هو وجوب الإتيان بالعمل المستأجر عليه فوراً ففوراً، لأنّ المفروض أنّه ملكه في ذمّته و لا يجوز التأخير في أداء الدين و ملك الغير، فكما أنّ البيع إذ

فصل في الوصيّة بالحجّ‌

مسألة 1: إذا أوصى بالحجّ، فإن علم أنّه واجب، اخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصيّة؛ فلا يقال: مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث؛ نعم، لو صرّح بإخراجه من الثلث اخرج منه، فإن و في به، و إلّا يكون الزائد من الأصل؛ و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام و الحجّ النذري (5) و الإفساديّ (6)، لأنّه بأقسامه واجب ماليٌّ و إجماعهم‌

______________________________
(1). الامام الخميني: مرّ الإشكال في جواز الاستنابة للحجّ النذري عن الحيّ المعذور‌

(2). الخوئي: هذا إذا كان إتمام أعمال الحجّ منهما في زمان واحد؛ و أمّا إذا كان قد سبق أحدهما بالإتمام كان هو حجّة الإسلام، و كذا الحكم في الصلاة على الميّت‌

(3). مكارم الشيرازي: و لكن إذا سبق أحدهما بإتمام حجّه قبل الآخر، فقد سقط الوجوب عن المنوب عنه، فكيف يصحّ للثاني نيّة الوجوب بل مطلق الأمر؟ لأنّ المفروض سقوط ما نواه، و لكن لمّا كان الحجّ لا يمكن تركه إلّا بالإتمام و لا يخرج من الإحرام إلّا بأداء مناسكه، فعليه أن يتمّه بقصد القربة المطلقة. و القول بأنّ سبق أحدهما بالإتمام يكشف عن بطلان الآخر، كما في المستمسك، كما ترى، فإنّ إطلاق أدلّة الصحّة يشمل كليهما ما لم يتمّ أحدهما قبل الآخر‌

(4). الامام الخميني: لكنّهما يراعيان التقارن في الختم‌

(5). الخوئي: مرّ أنّ الحجّ النذري يخرج من الثلث، و كذا الإفسادي، و يختصّ الخروج من الأصل بحجّة الإسلام‌

(6). الگلپايگاني: لا يُترك الاحتياط في الإفسادي، و قد مرّ أنّ المناط في الإخراج من الأصل كون الواجب ديناً، لا كونه ماليّاً‌

مكارم الشيرازي: قد عرفت في المسألة (8) من الحجّ النذري أنّه لا دليل على إخراج الحجّ النذري، فكيف بالإفسادي عن الأصل؟ و أنّ ما يقال بأنّ كلّ واجب مالي يخرج من الأصل لا يخلو عن إشكال؛ نعم، لا ينبغي ترك الاحتياط على إخراج الحجّ النذري و الإفسادي عن الأصل مع رضى الورثة، فراجع ما ذكرناه هناك مع تفصيله‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 394‌

قائم على خروج كلّ واجب ماليّ من الأصل، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحجّ بمنزلة الدين، و من المعلوم خروجه من الأصل، بل الأقوى خروج كلّ واجب (1) من الأصل و إن كان بدنيّاً (2)، كما مرّ سابقاً (3). و إن علم أنّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث.

و إن لم يعلم أحد الأمرين، ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان؛ يظهر من سيّد الرياض خروجه من الأصل، حيث إنّه وجّه كلام الصدوق الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصيّة خروجها من الأصل، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيّاً، و حمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق (4) أيضاً على ذلك، لكنّه مشكل، فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصيّة بأزيد من الثلث تردّ إليه، إلّا مع إجازة الورثة، هذا مع أنّ الشبهة مصداقيّة و التمسّك بالعمومات فيها محلّ إشكال (5)؛ و أمّا الخبر المشار إليه و هو قوله عليه السلام: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح، إن أوصى به كلّه فهو جائز»، فهو موهون (6) بإعراض العلماء عن العمل بظاهره، و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الّذي أمره بيده؛ نعم، يمكن أن يقال (7) في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة: الظاهر‌

______________________________
(1). الامام الخميني: الأقوى في الواجب البدني خروجه من الثلث إذا أوصى به‌

الگلپايگاني: و قد مرّ الاحتياط فيه‌

(2). مكارم الشيرازي: لا دليل على ذلك، بل الظاهر أنّه من الثلث لو أوصى به‌

(3). الخوئي: مرّ خلافه [في فصل في الحجّ الواجب بالنذر و العهد و اليمين، التعليقة على «عليه القضاء»]

(4). مكارم الشيرازي: الظاهر أنّ الفتوى بكون جميع الوصايا عن الأصل، منقول عن والد الصدوق قدس سره لا عن الصدوق نفسه‌

(5). مكارم الشيرازي: بل هو ممنوع، لما ذكرنا في محلّه من عدم حجيّة العامّ حينئذٍ بالنسبة إلى المصداق المشكوك إلّا في بعض الفروض الّتي ليس مورد البحث منها‌

(6). الخوئي: الخبر في نفسه ضعيف، فلا حاجة في سقوط حجيّته إلى التمسّك بالإعراض‌

(7). الامام الخميني: لكنّه غير وجيه، خصوصاً بالنسبة إلى هذه الأزمنة، بل الانصراف ممنوع في الخمس و الزكاة أيضاً، إلّا أن تكون قرائن توجب الانصراف و الظهور‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 395‌

من قول الموصي: حجّوا عنّي، هو حجّة الإسلام الواجبة، لعدم تعارف الحجّ (1) المستحبيّ في هذه الأزمنة و الأمكنة، فيحمل على أنّه واجب من جهة هذا الظهور و الانصراف، كما أنّه إذا قال: أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة، ينصرف إلى الواجب عليه.

فتحصّل أنّ في صورة الشكّ في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة، أو لا حتّى يكون من الثلث، مقتضى الأصل الخروج من الثلث، لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه، إلّا إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصيّة بالخمس أو الزكاة أو الحجّ و نحوها؛ نعم، لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب، كما إذا علم وجوب الحجّ عليه سابقاً و لم يعلم أنّه أتى به أو لا، فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل (2)؛ و دعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شكّ الوصيّ أو الوارث و لا يعلم أنّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين، مدفوعة (3) بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً، و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث، و لكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد، لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك، إلّا أن يدفع بالحمل على الصحّة، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنّه مشكل في‌

______________________________
(1). الخوئي: نعم، و لكن يمكن أن يكون الإيصال من باب الاحتياط؛ و كذا في الوصيّة بالخمس و نحوه‌

(2). مكارم الشيرازي: بل الظاهر الإخراج من الثلث، و كذا بالنسبة إلى الخمس و الزكاة المعلومين تعلّقهما المشكوكين إخراجهما، و هكذا بالنسبة إلى ديون الناس، و ذلك لاستقرار السيرة عليه، و إلّا وجب على كلّ وارث أداء الزكاة أو الخمس أو الديون للناس، حيث إنّه يعلم غالباً بتعلّق بعض هذه الامور بالمورث و يحتمل عدم أدائها، لا لعصيانه، بل لأنّه قد لا يقدر عليه أو يكون من قبيل الواجب الموسّع كالدين غير المطالب. و قد مضى شطر من الكلام في هذه المسألة عند الكلام في المسألة (106) من شرائط وجوب الحجّ و المسألة (5) من مسائل ختام الزكاة؛ و العجب أنّ الماتن قدس سره اختار هناك عدم الوجوب و هنا الوجوب‌

(3). الامام الخميني: ما ذكره هاهنا ينافي ما اختاره في كتاب الزكاة، و قد قوّى هذه الدعوى هناك، كما أنّ إشكاله في جريان قاعدة الحمل على الصحّة ينافي ما اختاره هناك، و الأقوى جريان الاستصحاب و عدم جريان القاعدة، فما ذكره هاهنا هو الموافق للقواعد مع تبديل قوله: «فالأحوط» ب‍ «الأقوى»‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 396‌

الواجبات الموسّعة، بل في غيرها أيضاً في غير الموقّتة، فالأحوط (1) في هذه الصورة (2) الإخراج من الأصل.

مسألة 2: يكفي الميقاتيّة؛ سواء كان الحجّ الموصى به واجباً أو مندوباً، و يخرج الأوّل من الأصل و الثاني من الثلث، إلّا إذا اوصى بالبلديّة (3)، و حينئذٍ فالزائد عن اجرة الميقاتيّة في الأوّل من الثلث، كما أنّ تمام الاجرة في الثاني منه.

مسألة 3: إذا لم يعيّن الاجرة، فاللازم (4) الاقتصار على اجرة المثل، للانصراف إليها، و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استيجاره (5)، إذ الانصراف إلى اجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط، و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك (6) توفيراً على الورثة، خصوصاً مع الظنّ بوجوده و إن كان في وجوبه إشكال، خصوصاً مع الظنّ بالعدم. و لو وجد من يريد أن يتبرّع، فالظاهر جواز الاكتفاء به، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستيجار، بل هو المتعيّن (7) توفيراً على الورثة، فإن أتى به صحيحاً كفى، و إلّا وجب‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: بل الأقوى‌

(2). الخوئي: بل الأظهر ذلك فيما إذا علم بكون الحقّ ثابتاً في ذمّته و شكّ في أدائه، و كذلك فيما إذا علم بتعلّق الحقّ بالعين و كانت باقية، و أمّا مع تلفها فالأصل يقتضي البراءة من الضمان‌

(3). الگلپايگاني: و لو بانصراف إطلاق كلامه إليها‌

(4). الامام الخميني: على الوصيّ مع عدم رضا الورثة أو صغرهم، و كذا في وجوب استيجار الأقلّ في الفرع التالي‌

(5). الگلپايگاني: في وجوبه إشكال، و التعليل لا يقتضي التعيين‌

مكارم الشيرازي: و لكن ما ذكره من الدليل لا يناسب المراد، و الأولى أن يقال: إنّه تضييع لحقّ الورثة من غير دليل‌

(6). الامام الخميني: لا يُترك مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، بل وجوبه لا يخلو من قوّة، خصوصاً مع الظنّ بوجوده؛ نعم، الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ، كما مرّ‌

الخوئي: لا بأس بتركه‌

مكارم الشيرازي: لا يُترك فيما يكون المتعارف فيه الفحص، فإنّه ليس المتعارف استيجار أوّل من يدخل عليه، بل المعمول الفحص منه في الجملة‌

(7). الگلپايگاني: فيه إشكال‌

الامام الخميني: فيه إشكال؛ نعم، هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة‌

الخوئي: فيه إشكال، بل منع‌

مكارم الشيرازي: لا يبعد ذلك في الحجّ الواجب الّذي يخرج من الأصل دون غيره، فإنّ أدلّة جواز الإخراج من الأصل منصرفة عن هذه الصورة الّتي يتبرّع فيها متبرّع بالحجّ من دون استيجار، و لا أقلّ من الشكّ في شمولها؛ و أمّا في الحجّ الندبي فيشكل ذلك إذا أوصى باستيجار للحجّ من ثلثه‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 397‌

الاستيجار. و لو لم يوجد من يرضى بأُجرة المثل، فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحجّ واجباً، بل و إن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث، و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأُجرة المثل أو أقلّ، بل لا يجوز، لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت في الواجب و العمل بمقتضى الوصيّة (1) في المندوب. و إن عيّن الموصي مقداراً للُاجرة، تعيّن و خرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اجرة المثل، و إلّا فالزيادة من الثلث، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث.

مسألة 4: هل اللّازم في تعيين اجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس اجرةً (2) أو يلاحظ اجرة من يناسب شأن الميّت في شرفه و ضَعَته؟ لا يبعد الثاني، و الأحوط الأظهر (3) الأوّل (4)؛ و مثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً.

مسألة 5: لو أوصى بالحجّ و عيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن، و إن لم يعيّن كفى حجّ واحد، إلّا أن يعلم أنّه أراد التكرار، و عليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحجّ عنه ما دام له مال، كما في خبرين، أو ما بقي من ثلثه شي‌ء كما في ثالث، بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال؛ فما عن الشيخ و جماعةٍ من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً،

______________________________
(1). الامام الخميني: وجوب المبادرة غير معلوم مع عدم الوصيّة بها و لو بانصراف من كلامه‌

(2). مكارم الشيرازي: الأقوى فيه التفصيل بينما يكون أقلّ الناس اجرةً سبباً لوهن الميّت و ما لا يوجب ذلك، و اللازم الثاني، و أمّا الزائد عليه فلا دليل على جوازه و إن كان مناسباً لشأنه، فإنّ الشأن ذو مراتب. و قد مرّ منه قدس سره في المسألة (102) من شرائط وجوب الحجّ ما قد ينافي ما ذكره هنا، و أمّا الحكم في باب الكفن فقد مرّ في المسألة (20) من أحكام تكفين الميّت أنّه يكفي الكفن على النحو المتعارف و ذلك لإطلاق روايات الباب‌

(3). الامام الخميني: مرّ منه ما يخالف ذلك و منّا ما يوافقه، و فرض المسألة وجود قاصر أو غير راضٍ في الورثة، و قد مرّ حكم الكفن في محلّه‌

(4). الخوئي: فيه إشكال، بل منع‌

الگلپايگاني: في الأظهريّة منع، كما مرّ الحكم في الكفن‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 398‌

ضعيف (1)، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنّه يجب الحجّ ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شي‌ء من الثلث بعد العمل بوصايا اخر، و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور (2) عنها (3)، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار؛ نعم، لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلّا الحجّ، يمكن أن يقال (4) بوجوب صرف تمامه في الحجّ، كما لو لم يذكر إلّا المظالم أو إلّا الزكاة أو إلّا الخمس؛ و لو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً، كفى مرّتان (5)، لصدق التكرار معه.

مسألة 6: لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة و عيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً و اتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة، صرف نصيب سنتين في سنة (6) أو ثلاث سنين‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: بل لا يخلو عن قوّة، لاعتبار مستنده؛ و إعراض المشهور غير مسلّم‌

(2). الامام الخميني: بل قصور المستند، فإنّ محمّد بن الحسن الأشعري لم يرد فيه توثيق و لم يثبت كونه وصيّاً لسعد بن سعد حتّى يستشهد به لوثاقته، مع عدم كفاية ذلك أيضاً في الحكم بالوثاقة. و الخبران المذكوران في هذا الباب مع كون الراوي نفسه، غير دالّين على كونه وصيّاً له لو لم يدلّا عدمه، و محمّد بن الحسين بن أبي خالد في الرواية الثالثة مجهول، و ظنّي أنّه محمّد بن الحسن المتقدّم و اشتبه النسخة، لأنّ محمّد بن الحسن أيضاً ابن أبي خالد‌

(3). الخوئي: الأخبار في نفسها ضعيفة، فلا حاجة إلى التشبّث بالإعراض‌

مكارم الشيرازي: إعراضهم عن سند الرواية غير مسلّم و لعلّ الإعراض عن دلالتها على مفروض المسألة، فإنّه لا يفهم منها الوجوب مكرّراً إذا كانت الوصيّة مبهمة، بل لعلّ المراد منها ما إذا كانت الوصيّة مطلقة و دالّة على التكرار ما بقي المال‌

(4). الخوئي: في إطلاقه إشكال‌

(5). الگلپايگاني: بل يكرّر بمقدار وفاء الثلث‌

مكارم الشيرازي: مشكل جدّاً، بل قد يكون ظاهراً في التكرار مهما تحمل المال، و اللازم الأخذ بظهور كلامه‌

(6). مكارم الشيرازي: هذه المسألة مقطوع بها في كلمات الأصحاب ظاهراً، و تدلّ عليه قاعدة الميسور، و هي بخلاف ما ذكره الماتن قدس سره قاعدة عرفيّة عقلائيّة أمضاها الشرع في الجملة، و هي جارية في المقام بلا إشكال، و ملاكها في الحقيقة الأخذ بتعدّد المطلوب، و أمّا ما ذكره الماتن قدس سره فهو في الحقيقة راجع إلى الخطأ في التطبيق و هو و إن كان صحيحاً في بعض الموارد، و لكنّه يشكل دعواه في جميع الفروض؛ و أمّا الروايتان فهما ظاهرتان في المقصود معتبرتان بحسب السند أو بعمل الأصحاب‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 399‌

في سنتين مثلًا، و هكذا، لا لقاعدة الميسور، لعدم جريانها (1) في غير مجعولات الشارع، بل لأنّ الظاهر (2) من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحجّ و كون تعيين مقدار كلّ سنة بتخيّل كفايته، و يدلّ عليه أيضاً خبر عليّ بن محمّد (3) الحضيني و خبر إبراهيم بن مهزيار، ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّة، و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين، و كلاهما من باب المثال كما لا يخفى، هذا؛ و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة (4)، فهل ترجع ميراثاً أو في وجوه (5) البرّ (6) أو تزاد على اجرة بعض السنين؟ وجوه. و لو كان الموصى به الحجّ من البلد و دار الأمر بين جعل اجرة سنتين مثلًا لسنة و بين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة، ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان (7)؛ و لا يبعد التخيير، بل أولويّة الثاني (8)، إلّا أنّ مقتضى (9) إطلاق الخبرين (10) الأوّل.

______________________________
(1). الخوئي: القاعدة في نفسها غير تامّة، و على تقدير تماميّتها تجري في المقامين من غير فرق‌

(2). الگلپايگاني: بل للروايتين و إن لم يستظهر من حال الموصي ذلك، بل و إن استظهر التقييد من حاله؛ نعم، مع العلم بالتقييد يأتي حكمه إن شاء اللّه‌

(3). الامام الخميني: هذا الخبر أيضاً لإبراهيم بن مهزيار، و هو أخبر عن مكاتبة الحضيني و لم يرو عنه‌

(4). الامام الخميني: و لو من الميقات؛ و الأوجه حينئذٍ صرفها في وجوه الخير‌

(5). الخوئي: الأظهر صرفها في وجوه البرّ‌

مكارم الشيرازي: لا يبعد وجوب صرفها في وجوه البرّ، لانفهام تعدّد المطلوب في هذه المواضع و لما ورد في الباب 37 الحديث 2 من رواية عليّ بن مزيد (فرقد) و ستأتي الإشارة إليها في المسألة (9)

(6). الگلپايگاني: و هو الأقوى‌

(7). مكارم الشيرازي: الأقوى هو الثاني، أي اختيار حجّتين من الميقات على حجّة واحدة من البلد، لأفضليّة الحجّ من الطريق، و احتمال ذلك كافٍ في المنع عن الحكم بالتخيير؛ و أمّا الاستدلال برواية عبد اللّه بن بكير (الواردة في الباب 2 من أبواب النيابة) و شبهها، كما يظهر من بعض المحشّين، فهو بعيد، لعدم إطلاق لها شامل للمقام، لأنّها ظاهرة فيما إذا كانت هناك حجّة واحدة؛ هذا، و إطلاق الخبرين السابقين الواردين في الفرع السابق منصرف عن محلّ الكلام‌

(8). الگلپايگاني: بل الظاهر تعيّنه، لما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أوصى بماله في الحجّ فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده، قال عليه السلام: «فيعطى في الموضع الّذي يحجّ به عنه» فإنّه بإطلاقه حاكم على الخبرين‌

(9). الخوئي: و عليه فهو الأحوط‌

(10). الامام الخميني: و عليهما العمل‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 400‌

هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد (1)، و إلّا فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصيّة مقيّدة بسنين معيّنة.

مسألة 7: إذا أوصى بالحجّ و عيّن الاجرة في مقدار، فإن كان الحجّ واجباً و لم يزد ذلك المقدار عن اجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث، تعيّن؛ و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصيّة (2) و يرجع (3) إلى اجرة المثل. و إن كان الحجّ مندوباً، فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار، و إلّا فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد، و إن لم يف الثلث بالحجّ (4) أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصيّة و سقط وجوب الحجّ.

مسألة 8: إذا أوصى بالحجّ (5) و عيّن أجيراً معيّناً، تعيّن استيجاره بأُجرة المثل؛ و إن لم يقبل إلّا بالأزيد، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً، و إلّا بطلت الوصيّة و استوجر غيره بأُجرة المثل في الواجب مطلقاً (6)، و كذا في المندوب إذا وفى به الثلث و لم يكن على وجه التقييد، و كذا إذا لم يقبل أصلًا (7).

مسألة 9: إذا عيّن للحجّ اجرة لا يرغب فيها (8) أحد و كان الحجّ مستحبّاً، بطلت الوصيّة (9)

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لكن هذا الاحتمال مجرّد فرض، كما ذكره بعض الأعلام- رضوان اللّٰه عليه- و كذلك ما يأتي في المسألة الآتية من مثل هذا الاحتمال‌

(2). الامام الخميني: مع عدم إجازة الورثة؛ و كذا في نظائر المسألة‌

الگلپايگاني: إن لم تجزها الورثة‌

(3). الخوئي: بل صحّت و تكمل بها اجرة المثل بالمقدار الممكن‌

(4). الامام الخميني: حتّى من الميقات‌

(5). الامام الخميني: أي الواجب؛ و أمّا المندوب فأُجرته مطلقاً من الثلث‌

(6). مكارم الشيرازي: قد مرّ أنّ إخراج الحجّ الواجب غير حجّة الإسلام من الأصل مشكل‌

(7). مكارم الشيرازي: إلّا أن يستفاد من الوصيّة تعدّد المطلوب، كما هو الغالب، فيكون أصل الحجّ مطلوباً للوصيّ و كون النائب شخصاً معيّناً مطلوباً آخر‌

(8). الامام الخميني: و لو للحجّ الميقاتي‌

(9). مكارم الشيرازي: و لكن لو وقّت الاجرة بالحجّ الميقاتي، كان الواجب العمل بها، لما سيأتي من خبر عليّ بن مزيد و للقاعدة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 401‌

إذا لم يرج (1) وجود راغب فيها، و حينئذٍ فهل ترجع ميراثاً أو تصرف في وجوه البرّ، أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟

وجوه؛ و الأقوى هو الصرف في وجوه البرّ لا لقاعدة الميسور (2)، بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس، لأنّها قاعدة شرعيّة و إنّما تجري في الأحكام الشرعيّة المجعولة للشارع و لا مسرح لها في مجعولات الناس، كما أشرنا إليه سابقاً، مع أنّ الجنس لا يعدّ ميسوراً للنوع، فمحلّها المركّبات الخارجيّة إذا تعذّر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطيّة، بل لأنّ الظاهر (3) من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه و إنّما عيّن عملًا خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد المطلوب و إن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة؛ نعم، لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً، يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة، و لا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارياً أو من الأوّل.

و يؤيّد ما ذكرنا، ما ورد من الأخبار في نظائر المقام، بل يدلّ عليه خبر عليّ بن سويد (4) عن الصادق عليه السلام (5) قال: قلت: مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك فلم تكف للحجّ، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدّق بها، فقال عليه السلام: ما صنعت؟

قلت: تصدّقت بها، فقال عليه السلام: «ضمنت، إلّا أن لا تكون تبلغ أن يحجّ بها من مكّة، فإن كانت تبلغ أن يحجّ بها من مكّة فأنت ضامن». و يظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد الّتي تبطل‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: إن لم يف بالميقاتي أيضاً، و إلّا فيجب الاستيجار من الميقات‌

(2). مكارم الشيرازي: بل لقاعدة الميسور و لما يأتي من الرواية، لما قد عرفت أنّها قاعدة عقلائيّة قبل أن تكون شرعيّة، و ملاكها تعدّد المطلوب؛ و العجب أنّه- رحمه اللّه- صرّح بكون المقام من قبيل تعدّد المطلوب و لكن لم يقبل قاعدة الميسور‌

(3). الگلپايگاني: بل لما ورد في الوصيّة بالحجّ بنفقة لا تفي بالبلديّة أو نفقة لا تفي بأصل الحجّ، كما في مفروض المسألة و الوصيّة بعتق العبد المسلم و الوصيّة المجهول مصرفها لنسيان الوصيّ و ما ورد في نذر الحجّ ماشياً حافياً مع طريان العجز و ما ورد في الوقف المجهول المصرف، فإنّه يستفاد من جميع ذلك وجوب صرف ما تعذّر مصرفه من الوصيّة و الأوقاف و النذور في وجوه البرّ مراعياً للأقرب إلى نظر الجاعل و إن لم يستظهر من حاله تعدّد المطلوب، بل و إن استظهر خلافه؛ نعم، مع العلم بالتقييد في عالم اللبّ، فالحكم كما في المتن‌

(4). الخوئي: الرواية عن عليّ بن مزيد، لا عن عليّ بن سويد؛ و هي ضعيفة لا تصلح للاستدلال بها، و تكفي القاعدة للحكم المذكور بعد ظهور حال الموصي كما ذكر‌

(5). مكارم الشيرازي: حكاه في الوسائل في الباب 37 من أحكام الوصايا، ج 13 الحديث 2، و لكنّ الراوي «عليّ بن مزيد صاحب السابري» و الظاهر أنّ ما رواه في الوسائل أصحّ بقرينة رواية زيد النرسي و بقرينة توصيفه بصاحب السابري، كما يظهر بالمراجعة إلى جامع الرواة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 402‌

الوصيّة لجهة من الجهات.

هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عيّن له مصارف و تعذّر بعضها؛ و أمّا فيه، فالأمر أوضح، لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك، فلا يعود إليه.

مسألة 10: إذا صالحه داره مثلًا و شرط عليه أن يحجّ عنه بعد موته، صحّ و لزم و خرج من أصل التركة (1) و إن كان الحجّ ندبيّاً، و لا يلحقه حكم الوصيّة. و يظهر من المحقّق القمّي قدس سره في نظير المقام إجراء حكم الوصيّة عليه (2)، بدعوى أنّه بهذا الشرط ملّك عليه الحجّ (3)، و هو عمل له اجرة، فيحسب مقدار اجرة المثل لهذا العمل، فإن كانت زائدة عن الثلث توقّف على إمضاء الورثة؛ و فيه: أنّه لم يملّك عليه الحجّ مطلقاً في ذمّته، ثمّ أوصى أن يجعله عنه، بل إنّما ملّك بالشرط الحجّ عنه، و هذا ليس مالًا تملكه الورثة (4)، فليس تمليكاً و وصيّة و إنّما هو تمليك على نحو خاصّ لا ينتقل إلى الورثة. و كذا الحال إذا ملّكه (5) داره بمائة تومان (6) مثلًا‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: الأولى أن يقال: إذا صالحه داره كذلك لا يملك ذلك الحجّ الورثة بعد موته، بل يبقى على ملك المورث، فهو مال لا يكون داخلًا في التركة‌

(2). مكارم الشيرازي: و ما ذكره المحقّق القمّي غير بعيد، نظراً إلى أنّ المورث يملك العمل في ذمّة المصالح له، و هذا العمل مع لونه الخاصّ (أي كونه نيابة عن شخص المورث) ينتقل إلى الورثة، فلهم إبراء ذمّته عنه لو كان ندبيّاً، كما أنّ لهم المصالحة معه بمال آخر يأخذونه و يملّكه الورثة كسائر الإرث؛ و أمّا إذا أصرّ المصالح له على نفس الفعل لا غير، يكون هذا من باب الوصيّة، لأنّ الوصيّة ليست إلّا ما أوصى به بالنسبة إلى بعد موته و هذا من مصاديقه، فلا يحتاج إلى وصيّة اخرى غير هذه المصالحة مع هذا اللون، فإن فضل عن الثلث توقّف على إذن الورثة، و إلّا صحّ بعنوان الثلث؛ و من هنا يظهر الإشكال فيما ذكره الماتن قدس سره من قوله: «هذا ليس مالًا تملكه الورثة»، بل نقول: إنّه مال، لأنّه يبذل بإزائه المال و يمكن مصالحته بمال آخر‌

(3). الخوئي: الصحيح في الجواب أن يقال: إنّ الشارط لا يملك على المشروط عليه العمل المشروط حتّى ينتقل إلى الورثة‌

(4). الگلپايگاني: بل لا مانع من أن تملكه الورثة بالإرث كما تملكه بالشرط أو الاستيجار بعد الموت، فلهم الإسقاط أو المصالحة حتّى في الثلث، و ليس هذا وصيّة لتكون الورثة ممنوعة من الثلث‌

(5). الخوئي: ليس هذا كالصلح المشروط بالحجّ أو التمليك بشرط بيع العين و صرف الثمن في الحجّ، و ذلك فإنّ مائة تومان في المثال ملك للشارط حال حياته و قد شرط على من ملّكه الدار أن يصرفها في الحجّ فإن كان بمقدار ثلثه نفذت الوصيّة، و إلّا فلا‌

(6). الامام الخميني: الظاهر صحّة قول المحقّق القمّي في هذا الفرض‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 403‌

بشرط أن يصرفها (1) في الحجّ عنه (2) أو عن غيره، أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها (3) و يصرف ثمنها في الحجّ (4) أو نحوه، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و إن كان العمل المشروط عليه ندبيّاً؛ نعم، له الخيار (5) عند تخلّف الشرط، و هذا ينتقل إلى الوارث، بمعنى أنّ حقّ الشرط (6) ينتقل إلى الوارث، فلو لم يعمل (7) المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.

مسألة 11: لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً، صحّ (8) و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيّاً و خروج الزائد (9) عن اجرة (10) الميقاتيّة عنه (11) إن كان واجباً (12). و لو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً و لم يأت به حتّى مات، و أوصى به أو لم يوص، وجب الاستيجار (13)

______________________________
(1). الگلپايگاني: الظاهر أنّ هذا الشرط وصيّة إن كان المقصود الصرف في الحجّ بعد الموت، حيث إنّه عهد إلى المتصالح ليصرف بعد موته ماله في الحجّ، فالأقوى فيه ما عليه المحقّق القمّي؛

(2). مكارم الشيرازي: هذا أظهر من سابقه، لأنّ هنا أمرين: أصل المال المصالح عليه و شرطه، و التفكيك بينهما أسهل، مضافاً إلى أنّ الشرط ليس إلّا الوصيّة و هو أظهر من سابقه في الانتقال إلى الورثة ثمّ كونه من باب الوصيّة‌

(3). الگلپايگاني: لو قيل بصحّة هذا الشرط‌

(4). مكارم الشيرازي: إذا لم نقل أنّ هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد؛ و فيه كلام في محلّه‌

(5). الامام الخميني: مع عدم التمكّن من الإجبار على العمل و لو بالرجوع إلى الحاكم العرفي، مع عدم الإمكان بوجه آخر‌

(6). الخوئي: إنّ هذا الحقّ الّذي لا ينتفع به الوارث و لا يمكنه إسقاطه لا ينتقل إلى الوارث، بل الظاهر أنّه باقٍ على ملك الميّت، فإذا تخلّف المشروط عليه يفسخ الحاكم عليه بالولاية و يصرف المال فيما شرط على المشروط عليه‌

(7). الگلپايگاني: و لم يمكن إجباره بالعمل به‌

(8). مكارم الشيرازي: إذا كان الحجّ كذلك أمراً مشروعاً غير مشتمل على الإسراف أو غيره من المحرّمات، و لكن بعض مصاديقه في عصرنا لا يخلو عن إشكال‌

(9). الگلپايگاني: مع ما به التفاوت بين اجرة الحجّ ماشياً أو حافياً و اجرته لا كذلك، إلّا أن يكون الواجب عليه كذلك و لو بالنذر أو الاستيجار‌

(10). الامام الخميني: و كذا التفاوت بين اجرة الحجّ ماشياً أو حافياً و بين غيرها‌

(11). مكارم الشيرازي: المراد اجرة الميقاتيّة غير ماشٍ، لا إذا كان ماشياً (إذا كان اجرته أكثر من الراكب)

(12). الخوئي: و كان حجّة الإسلام‌

(13). الخوئي: تقدّم عدم وجوبه من الأصل، و كذا فيما بعده من فروض وجوب الحجّ غير حجّة الإسلام‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 404‌

عنه من أصل التركة (1) كذلك؛ نعم، لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه، أمكن أن يقال (2) بعدم وجوب (3) الاستيجار عنه، لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته، لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً (4).

مسألة 12: إذا أوصى بحجّتين أو أزيد و قال إنّها واجبة عليه، صدّق و تخرج من أصل التركة (5)؛ نعم، لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت (6) و كان متّهماً في إقراره، فالظاهر أنّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً، على ما هو الأقوى.

مسألة 13: لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة اجرة الاستيجار و شكّ في أنّه استأجر الحجّ قبل موته أو لا، فإن مضت مدّة يمكن الاستيجار فيها، فالظاهر (7) حمل أمره على الصحّة (8) مع كون الوجوب فوريّاً منه، و مع كونه موسّعاً إشكال (9)؛ و إن لم تمض مدّة يمكن الاستيجار فيها، وجب الاستيجار من بقيّة التركة إذا كان الحجّ واجباً و من بقيّة‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: قد عرفت الإشكال في وجوب إخراج الحجّ المنذور عن أصل التركة‌

(2). الگلپايگاني: بل الأقوى وجوب الاستيجار‌

(3). الامام الخميني: إلّا إذا احرز تعدّد المطلوب‌

(4). مكارم الشيرازي: المراد من كونه قيداً أن يكون قيداً مقوّماً، و إلّا لا شكّ في أنّ المباشرة قيد في كلّ نذر متعلّق بفعله، و حينئذٍ يمكن أن يقال بانصراف أدلّة القضاء عن الميّت عن مثل هذا النذر؛ فتأمّل‌

(5). الخوئي: فيما كانا يخرجان من أصل التركة على تقدير الثبوت كالحجّ الإسلامي و الحجّ الاستيجاري، دون الواجب بمثل النذر كما تقدّم‌

(6). مكارم الشيرازي: سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في محلّه‌

(7). الامام الخميني: محلّ إشكال، بل منع‌

(8). الخوئي: فيه إشكال، بل منع‌

الگلپايگاني: مشكل‌

مكارم الشيرازي: قاعدة الصحّة إنّما تجري فيما إذا صدر فعل من فاعل و شكّ في صحّته و فساده، لا ما إذا شكّ في أصل الفعل و لكن يمكن الحكم ببراءة ذمّة الميّت هنا لاستقرار السيرة عليه، و إلّا لوجب على الورثة العمل بكلّ وصيّة أوصى به المورث إذا شكّ بعد موت الوصيّ، و هذا أمر مشكل لعلّه لا يقول به أحد‌

(9). الامام الخميني: لا إشكال في وجوب الاستيجار‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 405‌

الثلث إذا كان مندوباً؛ و في ضمانه لما قبض و عدمه، لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان، وجهان (1)؛ نعم، لو كان المال المقبوض موجوداً، اخذ (2) حتّى في الصورة الاولى (3) و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه و صرفه في الاجرة و تملّك ذلك المال بدلًا عمّا جعله اجرة، لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت.

مسألة 14: إذا قبض الوصيّ الاجرة و تلف في يده بلا تقصير، لم يكن ضامناً و وجب الاستيجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث، و إن اقتسمت على الورثة استرجع منهم؛ و إن شكّ في كون التلف عن تقصير أو لا، فالظاهر عدم الضمان أيضاً، و كذا الحال (4) إن استأجر و مات الأجير و لم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته.

مسألة 15: إذا أوصى بما عنده من المال للحجّ ندباً و لم يعلم أنّه يخرج من الثلث أو لا (5)، لم يجز صرف جميعه؛ نعم، لو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا أو أنّه أوصى سابقاً بذلك و الورثة أجازوا وصيّته، ففي سماع دعواه و عدمه وجهان (6).

______________________________
(1). الامام الخميني: الأقوى عدم الضمان‌

الخوئي: أوجههما العدم‌

الگلپايگاني: لا وجه لضمانه‌

مكارم الشيرازي: و الأقوى عدم الضمان، لأنّه أمين و ليس على الأمين ضمان إلّا إذا ثبت التفريط. و سيأتي من الماتن قدس سره اختيار هذا القول في المسألة الآتية‌

(2). الامام الخميني: لو عامل معه معاملة الملكيّة في حال حياته أو عامل الورثة كذلك، لا يبعد عدم جواز الأخذ، على إشكال خصوصاً في الأوّل‌

(3). مكارم الشيرازي: أخذ المال في هذه الصورة مشكل جدّاً، لما عرفت من براءة ذمّة الميّت حينئذٍ إمّا للسيرة أو للحمل على الصحّة و معها يكون المال ظاهراً للوصيّ، و بالجملة لا يمكن الجمع بين حمل أمره على الصحّة أو الحكم ببراءة ذمّة الميّت و الحكم ببقاء المال على ملك الميّت، و مع وجود الأمارة لا يجوز التمسّك باستصحاب بقاء المال على ملك الميّت، كما ذكره في المتن‌

(4). الامام الخميني: أي في وجوب الاستيجار من التركة‌

________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، العروة الوثقى مع التعليقات، دو جلد، انتشارات مدرسه امام على بن ابى طالب عليه السلام، قم - إيران، اول، 1428 ه‍ ق

العروة الوثقى مع التعليقات؛ ج‌2، ص: 405

(5). مكارم الشيرازي: حقّ العبارة أن يقال: و لم يعلم أنّه لمقدار الثلث أو أكثر‌

(6). الامام الخميني: الظاهر سماع دعواه بما هو المعهود في باب الدعاوي، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقاً‌

الخوئي: أوجههما عدم السماع‌

الگلپايگاني: الأقوى هو الأوّل‌

مكارم الشيرازي: بل وجوه، لاحتمال التفصيل بين الصورتين، و القول بالصحّة فيما لو ادّعى أنّ أمواله عند الورثة ضعيف؛ هذا، و القول بالفساد لو ادّعى أنّ الورثة أجازوا ذلك في حال كونهم منكرين لها‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 406‌

مسألة 16: من المعلوم أنّ الطواف مستحبّ مستقلًاّ من غير أن يكون في ضمن الحجّ، و يجوز النيابة فيه عن الميّت و كذا عن الحيّ إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً و كان معذوراً (1) في الطواف بنفسه، و أمّا مع كونه حاضراً و غير معذور فلا تصحّ النيابة عنه؛ و أمّا سائر أفعال الحجّ، فاستحبابها مستقلًاّ غير معلوم، حتّى مثل السعي (2) بين الصفا و المروة.

مسألة 17: لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها، و كان عليه حجّة الإسلام و علم أو ظنّ (3) أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم، جاز بل وجب عليه أن يحجّ بها عنه (4)، و إن زادت عن اجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم، لصحيحة بريد (5) عن رجل استودعني مالًا فهلك و ليس لوارثه شي‌ء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال عليه السلام: «حجّ عنه، و ما فضل فأعطهم» و هي و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم (6) لو دفعها‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: و يدلّ عليه مضافاً إلى عدم نقل الخلاف فيه، ما ورد في رواية ابن أبي نجران ممّن حدّثه عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3/ 18 من أبواب النيابة) و ما رواه اسماعيل بن عبد الخالق عنه عليه السلام (1/ 51 من أبواب الطواف)؛ هذا، و لكنّ الّذي يختلج بالبال أنّ المعروف أنّ صاحب الزمان- ارواحنا فداه- يكون بالموقف في كلّ سنة فهو حاضر في مكّة، مع أنّ المشهور بين الشيعة جواز الحجّ و الطواف عنه، كما يظهر من رواية أبي محمّد الدعلجي الّذي رواها في البحار في باب ذكر من رآه عليه السلام، ج 52 ص 59 الحديث 42، و يظهر من رواية محمّد بن عثمان العمري 8/ 46 من أبواب وجوب الحجّ أيضاً أنّ صاحب العصر عليه السلام يحضر الموسم كلّ سنة؛ اللّهم إلّا أن يقال أنّ المعصومين عليهم السلام خارجون عن هذا الحكم؛ و هو يحتاج إلى مزيد تتبّع و تأمّل‌

(2). الامام الخميني: و إن يظهر من بعض الروايات استحبابه‌

(3). الخوئي: بل و مع احتماله أيضاً‌

(4). مكارم الشيرازي: و العمدة هنا ما رواه بريد (1/ 13 من أبواب النيابة)؛ و لو كان في سند الرواية كلام، يجبره عمل الأصحاب به (و للرواية طريقان)

(5). الامام الخميني: في كون هذه الرواية صحيحة إشكال بكلا السندين، لاحتمال كون سويد القلّا غير سويد بن مسلم القلّا الّذي وثّقه جمع، لكنّها معمول بها، فالسند مجبور على فرض ضعفه، بل المظنون اتّحادهما‌

(6). الگلپايگاني: هذا إذا كان الظنّ معتبراً شرعاً، و إلّا وجب التسليم إلى الورثة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 407‌

إليهم (1)، و مقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستيذان من الحاكم الشرعيّ؛ و دعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام عليه السلام كما ترى، لأنّ الظاهر من كلام الإمام عليه السلام بيان الحكم الشرعيّ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن (2) من الحاكم (3)، و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي‌ء، و كذا عدم الاختصاص بحجّ الودعيّ بنفسه، لانفهام الأعمّ من ذلك منها.

و هل يلحق بحجّة الإسلام غيرها (4) من أقسام الحجّ الواجب أو غير الحجّ من سائر ما يجب عليه، مثل الخمس و الزكاة و المظالم و الكفّارات و الدين أو لا؟ و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها (5)، مثل العارية و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمّته أو لا؟

وجهان؛ قد يقال بالثاني، لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا: إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث و إن كانوا مكلّفين بأداء الدين و محجورين عن التصرّف قبله، بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت، لأنّ أمر الوفاء إليهم، فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الّذي على الميّت بأنفسهم، و الأقوى (6) مع العلم بأنّ‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: الرواية مطلقة و القدر المتيقّن من جواز دفع الوديعة إلى الورثة ما إذا علم بقيامهم بأمر الحجّ، و أمّا غير هذا فلا دليل عليه. و القاعدة الّتي على وجوب إعطاء الأموال إلى الورثة قد خصّصت بما عرفت من حديث بريد، فإعطاؤها إلى الورثة في غير صورة العلم بأدائهم للحجّ مشكل‌

(2). الگلپايگاني: بل يجب الاستيذان‌

(3). الامام الخميني: الأحوط الاستيذان منه مع الإمكان‌

(4). الخوئي: الظاهر عدم إلحاق سائر أقسام الحجّ و كذا الكفّارات‌

(5). الخوئي: الظاهر هو الإلحاق‌

مكارم الشيرازي: الأقوى الإلحاق في جميع فروض المسألة إذا علم أنّ الورثة لا يقومون بهذا الواجب المالي، و أمّا في صورة الظنّ فلا يخلو عن إشكال. و الوجه فيما ذكرنا أنّ الحكم مطابق للقاعدة، لأنّه تدخل في أحكام الحسبة كما أفاده في المتن أو تدخل في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل قد يكون مصداقاً للخيانة في الأمانة، فإنّه إذا أعطاها الورثة مع علمه بأنّهم لا يقومون بواجبهم في هذا المال فقد خان فيه و أعان على إتلافه و صرفه في غير حقّه؛ و أمّا إلغاء الخصوصيّة عن مورد الرواية و تنقيح المناط مع قطع النظر عمّا ذكرنا فلا يخلو عن إشكال في بعض فروض المسألة، كما لا يخفى‌

(6). الامام الخميني: الإلحاق محلّ إشكال، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم و عدم استبداده به، و كذا الحال في صورة الإنكار و الامتناع‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 408‌

الورثة لا يؤدّون بل مع الظنّ (1) القويّ أيضاً جواز الصرف فيما عليه، لا لما ذكره في المستند من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائيّ على كلّ من قدر على ذلك. و أولويّة الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة، و أمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى تكون الورثة أولى به، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة أو دعوى تنقيح المناط أو أنّ المال (2) إذا كان بحكم مال الميّت (3) فيجب صرفه عليه و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه، بل و كذا على القول بالانتقال إلى الورثة، حيث إنّه يجب صرفه في دينه، فمن باب الحسبة (4) يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه (5) إلى الوارث لتفويته على الميّت؛ نعم، يجب الاستيذان من الحاكم، لأنّه وليّ من لا وليّ له، و يكفي الإذن الإجمالي، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه، كما قد يتخيّل؛ نعم، لو لم يعلم و لم يظنّ عدم تأدية الوارث، لا يجب الدفع إليه (6)، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو أمكن إجباره عليه، لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه.

مسألة 18: يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه (7) و عن غيره، و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.

______________________________
(1). الگلپايگاني: المعتبر شرعاً، كما مرّ‌

(2). الگلپايگاني: هذا الوجه هو المتعيّن‌

(3). الخوئي: هذا الوجه هو الصحيح، لكنّه يختصّ بما إذا كان الميّت لا يملك مالًا آخر يفي بأُجرة الحجّ، فإنّه مع الملك لا يتعيّن صرف خصوص ما عند الودعي و نحوه في الدين، بل الواجب صرف الجامع بينه و بين مال آخر، و الباقي في ملك الميّت حينئذٍ هو الكلّي، و أمّا شخص المال فهو للوارث فيجري فيه ما يجري في الوجه الآخر؛ ثمّ إنّه في فرض وجوب الصرف في الدين و نحوه و عدم جواز دفعه إلى الوارث لم تثبت ولاية لمن عنده المال على الصرف، فلا بدّ من الاستجازة من الحاكم الشرعيّ‌

(4). الخوئي: وجوب الصرف متوجّه إلى الوارث فقط، فكيف يكون ذلك من باب الحسبة؟

(5). الخوئي: لا وجه للضمان بعد ما لم يكن المال ملكاً للميّت‌

(6). مكارم الشيرازي: هكذا في بعض النسخ، و من الواضح زيادة «لا»؛ فيجب الدفع إليه، و الدليل على ذلك كونهم أولى من غيرهم بهذه الامور، بل قد يقال: إنّ المال أوّلًا يدخل في ملكهم‌

(7). مكارم الشيرازي: بل يجوز و لو في ضمن الأعمال إذا لم يزاحم ما عليه من حقّ الاستيجار. و يدلّ على ذلك مضافاً إلى أنّه موافق للقاعدة ما ورد في الباب 21 من أبواب النيابة، و تقييده في الرواية بما بعد الأعمال إشارة إلى عدم المزاحمة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 409‌

مسألة 19: يجوز لمن أعطاه رجل مالًا لاستيجار الحجّ أن يحجّ بنفسه (1)، ما لم يعلم (2) أنّه أراد الاستيجار من الغير، و الأحوط عدم مباشرته (3) إلّا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج. و إذا عيّن شخصاً تعيّن، إلّا إذا علم عدم أهليّته (4) و أنّ المعطي مشتبه (5) في تعيينه، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد.

فصل في الحجّ المندوب‌

مسألة 1: يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحجّ مهما أمكن، بل و كذا من أتى بوظيفته من الحجّ الواجب. و يستحبّ تكرار الحجّ، بل يستحبّ تكراره في كلّ سنة، بل يكره تركه خمس سنين متوالية، و في بعض الأخبار: «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً».

مسألة 2: يستحبّ نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة، و في الخبر: «إنّها توجب الزيادة في العمر»، و يكره نيّة عدم العود، و فيه: «أنّها توجب النقص في العمر».

مسألة 3: يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب و غيرهم أحياءً و أمواتاً، و كذا عن المعصومين عليهم السلام أحياءً و أمواتاً، و كذا يستحبّ الطواف عن الغير و عن المعصومين عليهم السلام أمواتاً و أحياءً مع عدم حضورهم في مكّة أو كونهم معذورين.

مسألة 4: يستحبّ لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك.

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: و يدلّ عليه مضافاً إلى موافقته للقاعدة إذا شمله إطلاق كلام المستأجر، ما ورد في الباب 36 من أبواب النيابة من جواز حجّ الوصيّ بنفسه عن الميّت، فراجع. و للمسألة نظائر في باب النكاح و الزكاة (راجع باب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة و 83 من أبواب ما يكتسب به)

(2). الامام الخميني: و لو بظهور لفظه في ذلك، و معه لا يجوز التخلّف إلّا مع الاطمينان بالخلاف‌

(3). الخوئي: لا يُترك‌

(4). مكارم الشيرازي: و لكن في هذه الصورة تبطل الإجارة و يرجع المال إلى المستأجر، إلّا إذا كانت الإجارة من باب تعدّد المطلوب، و كذا الكلام في المشتبه في الحجّ المندوب‌

(5). الخوئي: هذا إذا علم رضاه باستيجار من هو أهل لذلك‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 410‌

مسألة 5: يستحبّ إحجاج من لا استطاعة له (1).

مسألة 6: يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحجّ بها (2).

مسألة 7: الحجّ أفضل من الصدقة بنفقته.

مسألة 8: يستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ، و في بعض الأخبار: «إنّ اللّه يبغض الإسراف إلّا بالحجّ و العمرة (3)».

مسألة 9: يجوز الحجّ بالمال المشتبه، كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.

مسألة 10: لا يجوز الحجّ بالمال الحرام، لكن لا يبطل الحجّ إذا كان (4) لباس إحرامه (5) و طوافه و ثمن هديه (6) من حلال (7).

مسألة 11: يشترط (8) في الحجّ الندبي إذن الزوج و المولى، بل الأبوين في بعض الصور، و يشترط أيضاً أن لا يكون عليه حجّ واجب مضيّق، لكن لو عصى و حجّ صحّ (9).

______________________________
(1). الامام الخميني: بل مطلقاً‌

(2). مكارم الشيرازي: و الأولى أن يكون ذلك في الضرورة، و الأحوط أن لا يكون هناك مستحقّ يكون إعطاء الزكاة إليه أولى، لا سيّما إذا كان البيت غاصّاً بأهله‌

(3). مكارم الشيرازي: لكن يظهر من بعض الأخبار أنّ المراد بالإسراف ليس هو الإسراف المحرّم، بل المقابل للقصد المطلوب في غير الحجّ، ففي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «ما من نفقة أحبّ إلى اللّه- عزّ و جلّ- من نفقة قصد و يبغض الإسراف إلّا في الحجّ و العمرة»‌

(4). الامام الخميني: مرّ الكلام في اللباس و ثمن الهدي‌

(5). الخوئي: لا يبطل الحجّ إذا لم يكن لباس إحرامه من حلال‌

(6). الگلپايگاني: قد مرّ أنّ المناط في عدم إجزاء الهدي غصبيّته، كما أنّه لا يبعد البطلان إن كان محلّ وقوفه في الموقفين غصباً، من غير فرق بين كون المغصوب مركوباً له أو بساطاً وقف عليه أو نعالًا، و كذا حكم المركوب و النعال في السعي‌

(7). مكارم الشيرازي: و كذا محلّ وقوفه بالموقفين إذا كان بناءً أو فراشاً، و كذا الخيام، حتّى الحصاة الّتي يرمى بها إذا كانت محرّمة على الأحوط في جميع ذلك، بل و كذا النعال و المركب الّذي يسعى به و ما أشبه ذلك‌

(8). الامام الخميني: مرّ الكلام في هذه المسألة صدراً و ذيلًا‌

(9). الگلپايگاني: محلّ إشكال، فلا يُترك الاحتياط‌

مكارم الشيرازي: كما مرّ الكلام في المسألة (110) من شرائط وجوب الحجّ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 411‌

مسألة 12: يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه، كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه.

مسألة 13: يستحبّ لمن لا مال له يحجّ به، أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره، و في بعض الأخبار: «أنّ للأجير من الثواب تسعاً و للمنوب عنه واحد».

فصل في أقسام العمرة‌

مسألة 1: تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصليّ و عرضيّ و مندوب.

فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ في العمر مرّةً، بالكتاب و السنّة و الإجماع؛ ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، فإنّ اللّه تعالى يقول: «و أتمّوا الحجّ و العمرة للّه»» و في صحيحة الفضيل في قول اللّه تعالى: «و أتمّوا الحجّ و العمرة»، قال عليه السلام: «هما مفروضان».

و وجوبها بعد تحقّق الشرائط فوريّ كالحجّ، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها و إن لم تتحقّق استطاعة الحجّ (1)، كما أنّ العكس كذلك، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها؛ و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كلّ منهما و أنّهما مرتبطان ضعيف، كالقول باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة (2).

مسألة 2: تجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة، بالإجماع و الأخبار. و هل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها و لم يكن مستطيعاً للحجّ؟ المشهور عدمه، بل‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: على الأحوط فيمن وظيفته التمتّع و من ليس كذلك، لإطلاق أخبار الوجوب و إن كانت لا تخلو عن إشكال، لإمكان كونها في مقام بيان أصل وجوب العمرة في مقابل جماعة من العامّة الّذين حكموا بأنّها سنّة مؤكّدة كالشافعي في القديم، و مالك و أبي حنيفة و أصحابه و ابن مسعود و الشعبي على ما حكاه في الخلاف في كتاب الحجّ (في المسألة 28) فما ورد في أخبارنا ناظر إلى نفي هذا القول و ليس في مقام البيان من جهة الوجوب إذا استطاع لخصوص العمرة دون الحجّ، و لكن لا يُترك الاحتياط، كما مرّ‌

(2). مكارم الشيرازي: نسب هذا القول إلى الشهيد قدس سره في الدروس، و لكنّ العبارة لا تخلو عن إشكال، فإنّ الشهيد قدس سره لم يقل باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة، بل قال فيما حكي عنه: و لو استطاع لها خاصّة لم تجب، و الفرق بينهما غير خفيّ على الخبير‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 412‌

أرسله بعضهم إرسال المسلّمات و هو الأقوى، و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعاً لها و هو في مكّة، و كذا لا تجب على من تمكّن منها و لم يتمكّن من الحجّ لمانعٍ، و لكنّ الأحوط الإتيان بها (1).

مسألة 3: قد تجب العمرة بالنذر (2) و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد، و تجب أيضاً لدخول مكّة، بمعنى حرمته بدونها، فإنّه لا يجوز دخولها إلّا محرماً إلّا بالنسبة إلى من يتكرّر (3) دخوله (4) و خروجه (5) كالحطّاب و الحشّاش (6). و ما عدا ما ذكر، مندوب.

و يستحبّ تكرارها كالحجّ؛ و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل: يعتبر شهر، و قيل: عشرة أيّام (7)، و الأقوى (8) عدم اعتبار فصل (9)، فيجوز إتيانها كلّ يوم، و تفصيل المطلب موكول إلى محلّه.

فصل في أقسام الحجّ‌

و هي ثلاثة بالإجماع و الأخبار: تمتّع و قِران و إفراد.

و الأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة، و الآخران فرض من كان حاضراً، أي غير بعيد.

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لا يُترك الاحتياط فيه كما مرّ في المسألة السابقة، و ذلك لاحتمال إطلاق أخبار الوجوب و شمولها للمقام مع إشكال فيها قد عرفت‌

(2). الامام الخميني: قد مرّ منّا الإشكال في صيرورة المنذور و شبهه واجباً، و الأمر سهل‌

(3). الامام الخميني: إذا كان مقتضى شغله التكرّر نظير المثالين؛ و أمّا مطلق من يتكرّر منه ذلك فمشكل، ثمّ إنّ الاستثناء لا ينحصر بذلك، بل يستثنى موارد اخر كالمريض و المبطون و غيرهما المذكور في محلّه‌

(4). الگلپايگاني: و إلّا لمن يدخلها في الشهر الّذي أحلّ فيه من إحرامه السابق بعد قضاء نسكه‌

(5). مكارم الشيرازي: و هكذا يستثنى منه من يدخل «مكّة» في الشهر الّذي خرج منها، أو خرج من إحرامه أو غير ذلك، على خلاف في مبدأ الشهر يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى‌

(6). الخوئي: و كذلك من خرج و عاد إلى مكّة قبل مضيّ الشهر الّذي أدّى فيه نسكه‌

(7). الخوئي: الظاهر هو اختصاص كلّ شهر بعمرة، فلا تصحّ عمرتان مفردتان عن شخص واحد في شهر هلالي؛ نعم، لا بأس بالإتيان بغير العمرة الاولى رجاءً‌

(8). الامام الخميني: الأحوط في ما دون الشهر الإتيان بها رجاءً‌

(9). مكارم الشيرازي: لا يخلو عن إشكال، و لا يُترك الاحتياط بالفصل بشهر‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 413‌

و حدّ البُعد الموجب للأوّل ثمانية و أربعون ميلًا من كلّ جانب على المشهور (1) الأقوى، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: قلت له قول اللّه- عزّ و جلّ- في كتابه: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام» فقال عليه السلام: «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكّة، فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»، و خبره عنه عليه السلام: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ- «ذلك ... الخ»، قال: «لأهل مكّة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة»، قلت:

فما حدّ ذلك؟ قال: «ثمانية و أربعون ميلًا من جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق (2)»، و يستفاد أيضاً من جملة (3) من أخبار اخر. و القول بأنّ حدّه اثنا عشر ميلًا من كلّ جانب، كما عليه جماعة، ضعيف لا دليل عليه إلّا الأصل، فإنّ مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كلّ أحد (4)، و القدر المتيقّن الخارج منها من كان دون الحدّ المذكور، و هو مقطوع بما مرّ؛ أو دعوى أنّ الحاضر مقابل للمسافر، و السفر أربعة فراسخ، و هو كما ترى؛ أو دعوى أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي، و العرف لا يساعد على أزيد من اثني‌

______________________________
(1). الامام الخميني: الشهرة غير معلومة‌

(2). مكارم الشيرازي: «عسفان» كعثمان قرية على مرحلتين من مكّة، كما عن القاموس؛ و كذا «ذات عرق» على مرحلتين من مكّة، كما عن التذكرة، و هو ميقات أهل العراق. و «المرحلة» هي ما يقطعها المسافر كلّ يوم و هي ثمانية فراسخ، و من هنا يظهر أنّ «عسفان» و «ذات عرق» تكونان على رأس ثمانية و أربعين ميلًا‌

(3). الامام الخميني: محلّ تأمّل‌

(4). الامام الخميني: محلّ إشكال‌

الگلپايگاني: بل الظاهر أنّ الأخبار بأسرها ناظرة إلى بيان مصداق الآية و هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فلا عموم لها للحاضرين حتّى توجب المتعة على كلّ أحد‌

مكارم الشيرازي: التمسّك بعموم الأخبار بعد ورودها تفسيراً لقوله تعالى: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام» مشكل، فإنّ الآية من قبيل العامّ المخصّص بالمتّصل المجمل، و قد ذكر في الاصول أنّه لا يجوز التمسّك بعموم العام في الشبهات المفهوميّة حتّى في الأقلّ و الأكثر إذا كان التخصيص متّصلًا، و لو سلّمنا أنّ الأصل ذلك لا بدّ من الخروج عنه بالرواية الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب، سواء قلنا أنّه المشهور أو الأشهر، و الأمر سهل بعد ما عرفت‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 414‌

عشر ميلًا، و هذا أيضاً كما ترى (1)؛ كما أنّ دعوى أنّ المراد من ثمانية و أربعين، التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كلّ جهة اثنا عشر ميلًا، منافية لظاهر تلك الأخبار. و أمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حدّ البُعد ثمانية عشر ميلًا، فلا عامل بها، كمالا عامل (2) بصحيحتي حمّاد بن عثمان و الحلبيّ الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت (3) إلى مكّة (4). و هل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان؛ أقربهما الأوّل (5). و من كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع (6)، لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحدّ. و لو شكّ في كون منزله في الحدّ أو خارجه، وجب عليه الفحص (7)، و مع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط و إن كان لا يبعد (8)

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لأنّه من قبيل الاجتهاد في مقابل النصّ، و الرجوع إلى العرف بعد ورود الدليل من الشرع على خلافه غير جائز‌

(2). الامام الخميني: وجّههما في «الوسائل» بما يوافق روايتي زرارة، و هو مع صدق دعواه وجيه‌

(3). الگلپايگاني: إلّا أن يقال بأنّ المقصود دون كلّ المواقيت، فإنّ أقربها إلى مكّة ذات عرق و هو ثمانية و أربعون ميلًا‌

(4). مكارم الشيرازي: هاتان الروايتان مؤيّدتان لما حكي عن المشهور (راجع 4 و 5/ 6 من أقسام الحجّ) فإنّ «ذات عرق» و هي أقرب المواقيت على رأس مرحلتين كما عرفت، فهي على رأس ثمانية و أربعين ميلًا‌

(5). الخوئي: بل الثاني‌

(6). مكارم الشيرازي: و ما في صحيحة زرارة: «كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» المراد منه من كان على ثمانية و أربعين أو ما وراء ذلك بقرينة ما ورد في خبره الآخر من قوله دون «عُسفان» و دون «ذات عرق»، من دون ذكر وراء، و قد عرفت أنّهما على ثمانية و أربعين ميلًا‌

(7). مكارم الشيرازي: و الدليل عليه، مع كون القاعدة عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة، أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين المحذورين، فإن وجب عليه التمتّع لا يصحّ منه القِران و الإفراد و كذا العكس؛ هذا مضافاً إلى أنّ بناء العقلاء في أمثال المقام على الفحص في الشبهات الموضوعيّة، و كذا عند الشكّ في أصل الاستطاعة و في مقدار النصاب في الزكاة و في أرباح المكاسب، فإنّ بنائهم في جميع هذه الامور على الفحص، لأنّه لا يعلم حقيقتها غالباً إلّا بالفحص، و حيث لم يمنع الشارع عن هذه السيرة فقد أمضاها، و يشكل التمسّك بأصالة البراءة في أمثال المقام من الشبهات الموضوعيّة‌

(8). الامام الخميني: فيه إشكال ظاهر، و قياسه مع الفارق، بل المقام أسوأ حالًا من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، لما مرّ من الإشكال في ثبوت عامّ خالٍ عن المناقشة‌

الگلپايگاني: بل بعيد، فإنّ التمسّك بالعموم في المقامين تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة؛ و أمّا في الشكّ في المسافة فاستصحاب التمام حكماً أو موضوعاً جارٍ بلا مانع، و هو مفقود في المقام‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 415‌

القول (1) بأنّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع (2)، لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر و هو مشكوك، فيكون كما لو شكّ في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا، فإنّه يصلّي تماماً، لأنّ القصر معلّق على السفر و هو مشكوك.

ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام، حيث لا يجزي للبعيد إلّا التمتّع و لا للحاضر إلّا الإفراد أو القران؛ و أمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبيّ فيجوز لكلّ من البعيد و الحاضر كلّ من الأقسام الثلاثة بلا إشكال و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام كالحجّ النذري (3) و غيره.

مسألة 1: من كان له وطنان، أحدهما في الحدّ و الآخر في خارجه، لزمه فرض أغلبهما (4)، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له» فقلت لأبي جعفر عليه السلام: أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكّة؟ فقال عليه السلام: «فلينظر أيّهما الغالب، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين (5) و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و إن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة (6)».

مسألة 2: من كان من أهل مكّة و خرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها، فالمشهور‌

______________________________
(1). الخوئي: هذا هو الصحيح، و عليه فلا يجب الفحص مع الشكّ، كما لا يجب الاحتياط مع عدم التمكّن منه‌

(2). مكارم الشيرازي: بل هو بعيد جدّاً، لأنّه من أوضح مصاديق التمسّك بعموم العام في الشبهات الموضوعيّة، و قد ثبت في محلّه عدم جوازه لا سيّما في المخصّص المتّصل كما في المقام، و قياسه على مسألة القصر في الصلاة قياس مع الفارق، لوجود الاستصحاب هناك دون المقام (إلّا في بعض الموارد)

(3). الامام الخميني: أي له نذر أىّ قسم شاء، و كذا حال شقيقيه، و هو المراد من غيره لا الإفسادي، لأنّه تابع لما أفسده‌

الگلپايگاني: إذا أطلق النذر و كذا شبه النذر، و القضاء تابع لما أفسده‌

(4). الامام الخميني: مع عدم إقامة سنتين بمكّة‌

(5). الخوئي: بل الأحوط الإتيان بالإفراد أو القِران فيه و فيما بعده‌

الگلپايگاني: سواء كان في أحدهما أو في غيرهما‌

(6). الگلپايگاني: أي فرض الوطن الّذي يستطيع فرضه؛ سواء كان فيه أو في غيره‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 416‌

جواز حجّ التمتّع له (1) و كونه مخيّراً بين الوظيفتين، و استدلّوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ثمّ يرجع إلى مكّة فيمرّ ببعض المواقيت، أ له أن يتمتّع؟ قال عليه السلام: «ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحبّ إلىّ»، و نحوها صحيحة اخرى عنه و عن عبد الرحمن بن أعين عن أبي الحسن عليه السلام؛ و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك و أنّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحجّ واجباً عليه، و تبعه جماعة لما دلّ من الأخبار على أنّه لا متعة لأهل مكّة و حملوا الخبرين (2) على الحجّ الندبيّ بقرينة ذيل الخبر الثاني، و لا يبعد قوّة هذا القول (3) مع أنّه أحوط، لأنّ الأمر دائر بين التخيير و التعيين، و مقتضى الاشتغال (4) هو الثاني (5)، خصوصاً إذا كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحجّ، بل يمكن (6) أن يقال: إنّ محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها، و أمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض (7) أهلها.

مسألة 3: الآفاقيّ إذا صار مقيماً في مكّة، فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتّع عليه، فلا إشكال في بقاء حكمه (8)؛ سواء كانت إقامته بقصد‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: و هو الأقوى، لما ذكره من الخبرين و لكنّهما ناظران إلى حال مروره بالميقات فيجوز له قصد التمتّع منه، و القول بجواز حملها على الحجّ الندبيّ بقرينة ذيل الخبر الثاني ممنوع، لأنّ ترك الاستفصال في صدرهما دليل على العموم، و تكرار السؤال من الراوي في ذيل الخبر في مورد الحجّ الندبي لا أثر له، بل يمكن أن يقال أنّ ذيله حكاية عن رواية اخرى، و على كلّ حال مع وجود الخبرين لا وجه للتمسّك بالأصل و دوران الأمر بين التعيين و التخيير‌

(2). الگلپايگاني: بل لا إطلاق لهما للحجّ الواجب حتّى يحتاج إلى الحمل على الندبي‌

(3). الخوئي: بل الأقوى ما عليه المشهور‌

(4). الگلپايگاني: بل مقتضى الاستصحاب‌

(5). الخوئي: بل مقتضى الأصل هو الأوّل، لأنّه من صغريات دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر‌

(6). الامام الخميني: غير معلوم مع إطلاق كلامهم‌

(7). الخوئي: الظاهر عدم التعيّن‌

(8). مكارم الشيرازي: بل فيه إشكال قويّ، كما عن صاحب المدارك و المحدّث البحراني و بعض المحشّين للعروة، و ذلك لاحتمال تبدّل حكمه بتبدّل الموضوع، كما هو كذلك في باب صلاة المسافر و الحاضر، فإنّه إذا كان في أوّل الوقت حاضراً و لم يصلّ ثمّ صار مسافراً فعليه القصر، و في عكسه عليه التمام، و كما في سائر موارد تبدّل الموضوع في أبواب الصلاة و الصيام و غيرها؛ كلّ ذلك لإطلاق قوله تعالى: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام» و إطلاق الروايات الكثيرة الواردة في المسألة، بل و إطلاق روايات الباب، كما سيأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه، و مجرّد كونه مستطيعاً قبل ذلك فاستقرّ الحجّ عليه بعنوان التمتّع لا ينافي ما ذكرنا بعد ملاحظة تبدّل الموضوع‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 417‌

التوطّن (1) أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين. و أمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة، فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة، و إنّما الكلام في الحدّ الّذي به يتحقّق الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور من أنّه بعد الدخول في السنة الثالثة؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له ... الخ» و صحيحة عمر بن يزيد (2) عن الصادق عليه السلام: «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتّع» و قيل بأنّه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار و هو ضعيف، لضعفها بإعراض المشهور (3) عنها، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل، و أمّا القول بأنّه بعد تمام ثلاث سنين، فلا دليل عليه إلّا الأصل المقطوع بما ذكر، مع أنّ القول به غير محقّق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة، و أمّا الأخبار الدالّة على أنّه بعد ستّة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها (4) مع احتمال صدورها تقيّةً و إمكان حملها على محامل اخر. و الظاهر من‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: فيه تأمّل، فإنّه لو لا الإجماع المدّعى به في المسألة فمقتضى القاعدة تبدّل الحكم بتبدّل الموضوع و إن كان مستقرّاً؛ فلا يُترك مراعاة الاحتياط لمن صدق عليه أنّ مكّة وطنه عرفاً أو صار مكّيّاً بحكم الشرع‌

(2). مكارم الشيرازي: راجع الباب 9 من أقسام الحجّ، الحديث الأوّل و الثاني، و في رواية الحلبي (3/ 9) كفاية الإقامة سنة أو سنتين و لم يشر إليها الماتن قدس سره، و لكنّه لا عامل به ظاهراً و قد حمله العلّامة في المختلف على من قصد الاستيطان و لا يخلو عن إشكال، و الظاهر أنّ الموضوع يتبدّل في نظر العرف أيضاً، كما ذكرناه في باب صلاة القصر أيضاً‌

(3). الخوئي: بل لمعارضتها بالصحيحين، فالمرجع إطلاق ما دلّ على وجوب التمتّع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‌

(4). الخوئي: مع أنّها معارضة بالصحيحين، فيجري فيها ما تقدّم، على أنّ ما دلّ على أنّه بعد خمسة أشهر ضعيف‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 418‌

الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو كانت بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل (1)، فما يظهر من بعضهم من كونها أعمّ، لا وجه له؛ و من الغريب ما عن آخر، من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن.

ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً، فيكفي في وجوب الحجّ الاستطاعة من مكّة (2) و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده (3)، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه، لعموم أدلّتها (4) و أنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحجّ، و أمّا الشرط فعلى ما عليه، فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع؛ هذا، و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضيّ السنتين (5)، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتّع (6)، و لو بقيت إلى السنة‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: لكن يعتبر الإقامة بمقدار يصدق أنّه وطنه‌

مكارم الشيرازي: بل اللازم مضيّ مقدار من الزمان حتّى يصدق عليه المتوطّن بمكّة و هكذا في سائر الموارد من الاستيطان؛ و كذلك في مسألة من شغله السفر، فإنّه لا يصدق عليه ذلك بمجرّد الشروع، بل يعتبر مضيّ مقدار من الزمان مشتغلًا بالسفر‌

(2). الگلپايگاني: لا فرق في ذلك بين الصورتين، فيكفي في وجوب التمتّع قبل الانقلاب أيضاً استطاعته لحجّ التمتّع من مكّة؛ و إنّما تظهر الثمرة بين القولين في مئونة الرجوع بعد الانقلاب مع العزم عليه، فيعتبر على مختار الجواهر دون الماتن، و الاعتبار أقوى‌

(3). الخوئي: الظاهر هو الاشتراط بالنسبة إلى رجوعه فيما إذا كان عازماً على الرجوع‌

(4). مكارم الشيرازي: الظاهر أنّ مراد صاحب الجواهر قدس سره كما يظهر من عبارته أنّه ناظر إلى الاستطاعة للرجوع إلى وطنه إذا لم يقصد التوطّن في مكّة، مثل ما إذا أقام سنتين ثمّ أراد الحجّ و بعد الحجّ الرجوع إلى وطنه (راجع الجواهر الكلام ج 8 ص 92) فاللازم أن يكون مستطيعاً بالنسبة إلى ذلك، فحينئذٍ يكون لكلامه وجه و إن كان الأقوى عدم اعتبار هذه الاستطاعة، نظراً إلى إطلاق الأدلّة الدالّة على أنّ الواجب عليه هو القِران أو الإفراد، فالاستطاعة تعتبر بالنسبة إلى هذا الحجّ؛ و من هنا يظهر النظر فيما ذكره الماتن قدس سره أيضاً‌

(5). الگلپايگاني: بل المدار في ذلك حصول الاستطاعة للحجّ الواقع قبل مضيّ السنتين و لا يكفي مجرّد حصول الاستطاعة قبل المضيّ إن كان الحجّ بعد سنتين‌

مكارم الشيرازي: يأتي فيه ما مرّ في أوّل المسألة من الإشكال، بل يمكن الفتوى هنا بأنّ المدار على التوقّف سنتين، سواء حصلت الاستطاعة قبله أو بعده، لعدم الخوف من الإجماع هنا كما في أصل المسألة‌

(6). الامام الخميني: وجوب التمتّع فرع وقوع الحجّ على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين؛ فالمدار على نفس الحجّ في سنة أوّل الاستطاعة، لا على الاستطاعة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 419‌

الثالثة أو أزيد، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب.

و أمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها، فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه (1)، لعدم الدليل و بطلان القياس، إلّا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن و حصلت الاستطاعة بعده (2)، فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الاولى، و أمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا؛ نعم، الظاهر دخوله حينئذٍ في المسألة السابقة، فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور يتخيّر، و على قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي.

مسألة 4: المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع، كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه، فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال:

أحدها: أنّه مهلّ أرضه (3)؛ ذهب إليه جماعة، بل ربما يسند إلى المشهور كما في الحدائق، لخبر سماعة عن أبي الحسن عليه السلام: سألته عن المجاور أ له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال عليه السلام:

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: قد عرفت سابقاً أنّ المجاورة سنتين لا يبعد إلحاقها بالتوطّن عرفاً، فعلى هذا يمكن الحكم بذلك في عكس المسألة، أعني ما إذا خرج المكّي إلى سائر الأمصار مقيماً بها، و لا أقلّ من الاحتياط بأن يتمتّع، لما عرفت في المسألة الثانية من كون المكّي مخيّراً إذا خرج إلى بعض الأمصار‌

(2). مكارم الشيرازي: قد عرفت أنّ المدار في الواجب على حال العمل، لا حال الاستطاعة‌

(3). مكارم الشيرازي: لا ينبغي ترك الاحتياط فيه و إن كان الأقوى جوازه من أىّ المواقيت. و العمدة فيه ما ذكره من رواية سماعة 1/ 8 من أقسام الحجّ المعتضدة بفتوى المشهور، كما قيل؛ و أمّا روايات الناسي و الجاهل الواردة في الباب 14 من المواقيت، فالظاهر أنّه لا دخل لها بما نحن فيه، لأنّها ناظرة إلى من أتى إلى مكّة من الخارج، و قياس الداخل عليه قياس مع الفارق؛ نعم، بناءً على القول بأنّ النائي مخيّر بين المواقيت، كما ستأتي الإشارة إليه، يشكل وجوب خصوص ميقات أهل الأرض على من جاور مكّة قبل تبدّل فرضه، لأنّه من قبيل زيادة الفرع على الأصل، و سيأتي الكلام في ذلك في مباحث المواقيت إن شاء اللّه، و الاحتياط سبيل النجاة. و ليعلم أنّ المراد بمُهَلّ أرضه- بضمّ الميم و فتح الهاء اسم المفعول من الإهلال- هو الميقات الّذي يهلّ منه بالحجّ أهل بلده‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 420‌

«نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل و الناسي الدالّة على ذلك، بدعوى عدم خصوصيّة للجهل و النسيان و أنّ ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع، و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كلّ قطر بواحد منها أو من مرّ عليها، بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

ثانيها: أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها؛ و إليه ذهب جماعة اخرى، لجملة اخرى من الأخبار مؤيّدة بأخبار المواقيت، بدعوى عدم استفادة خصوصيّة كلّ بقطر معيّن.

ثالثها: أنّه أدنى الحلّ؛ نقل عن الحلبيّ، و تبعه بعض متأخّري المتأخّرين، لجملة ثالثة من الأخبار.

و الأحوط، الأوّل (1) و إن كان الأقوى الثاني (2)، لعدم فهم الخصوصيّة من خبر سماعة و أخبار الجاهل و الناسي، و أنّ ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد و منع خصوصيّة للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت، و أمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذّر. ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ (3) من كان في مكّة و أراد الإتيان بالتمتّع و لو مستحبّاً؛ هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت، و أمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ (4) بل الأحوط الرجوع (5) إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات، و إن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج إلى ما يتمكّن.

______________________________
(1). الامام الخميني: لا يُترك، بل لا يخلو من قوّة‌

(2). الخوئي: بل الأقوى التخيير بين الجميع‌

(3). الامام الخميني: محلّ إشكال‌

(4). مكارم الشيرازي: و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه ممّا قطع به الأصحاب، كما قيل: أنّه موافق لأصالة البراءة للشكّ، في وجوب أزيد منه؛ اللّهم إلّا أن يقال: إنّه لا يقاوم قاعدة الميسور؛ هذا مضافاً إلى إمكان الاستدلال له بما ورد في الباب 14 من أبواب المواقيت في من جهل أو نسي في الإحرام و دخل مكّة و أنّه يخرج من الحرم إن قدر عليه، و الظاهر إمكان الغاء الخصوصيّة منها، فراجع‌

(5). الخوئي: فيه إشكال‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 421‌

فصل في صورة حجّ التمتّع و شرائطه

صورة حجّ التمتّع، على الإجمال، أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً، و يصلّي ركعتين في المقام، ثمّ يسعى لها بين الصفا و المروة سبعاً، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً (1) و إن كان الأصحّ عدم وجوبه، و يقصّر (2)، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية (3)، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال (4) إلى الغروب (5)، ثمّ يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر (6) إلى طلوع الشمس (7)، ثمّ يمضي إلى منى (8) فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه (9)، ثمّ يحلق (10) أو يقصّر فيحلّ من كلّ شي‌ء إلّا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضاً و إن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام (11)؛ ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه، فيطوف طواف‌

______________________________
(1). الخوئي: هذا الاحتياط ضعيف و لا بأس به رجاءً‌

(2). مكارم الشيرازي: و الظاهر أنّ الدليل على هذا الاحتياط هو خبر سليمان حفص المروزي، و لكن ظاهره كون التقصير قبل طواف النساء، و لا أقلّ أنّه القدر المتيقّن منه، فتأمّل. و ذلك لأنّه قال: «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعاً فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كلّ شي‌ء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافاً و صلاةً» (7/ 82 من أبواب الطواف) و لكنّ الماتن قدس سره ذكر التقصير بعد طواف النساء و إن كان نسخ الحديث لا يخلو عن تشويش، كما يظهر من بعض التعليقات على الوسائل، فراجع‌

(3). الامام الخميني: بعد صلاة الظهر، على تفصيل ذكرنا في مناسك الحجّ‌

(4). الگلپايگاني: من يوم عرفة‌

الخوئي: و لا بأس بالتأخير من الزوال بمقدار ساعة‌

(5). الامام الخميني: من يوم عرفة‌

مكارم الشيرازي: أي من زوال يوم عرفة إلى غروبه، و منه يظهر أنّ مراده من الوقوف بمشعر بعد طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس منه‌

(6). الگلپايگاني: من يوم النحر‌

(7). الامام الخميني: من يوم النحر، و كذا أعمال منى‌

(8). الگلپايگاني: يوم النحر‌

(9). الامام الخميني: على الأحوط و إن لا يجب على الأقوى‌

(10). الامام الخميني: الأحوط تعيّن الحلق للصرورة و من عقص رأسه و الملبّد، و يتعيّن التقصير على النساء‌

(11). الگلپايگاني: و إن حرم لحرمة الحرم‌

مكارم الشيرازي: لكن من الواضح حرمته عليه من حيث الحرم، و عليه يحمل ما ورد في رواية معاوية بن عمّار (1/ 13 من أبواب الحلق) بقرينة ما ورد في صدرها من أنّه إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإنّ عدم ذكر الصيد هنا دليل على أنّ تحريم الصيد في ذيله من باب الحرم، و يدلّ عليه أيضاً ما رواه عمر بن يزيد (4/ 13 من أبواب الحلق)

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 422‌

الحجّ و يصلّي ركعتيه و يسعى سعيه فيحلّ له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر (1)، و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكّة ليومه بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء و الصيد، و إن أقام إلى النفر الثاني و هو الثالث عشر و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين و السعي و لا إثم عليه في شي‌ء من ذلك على الأصحّ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجّة، و الأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل، بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده فضلًا عن أيّام التشريق، إلّا لعذر.

فصل في المواقيت‌

و هي المواضع المعيّنة للإحرام، اطلقت عليها مجازاً أو حقيقة متشرّعيّة (5)، و المذكور منها في جملة من الأخبار خمسة، و في بعضها ستّة، و لكنّ المستفاد من مجموع الأخبار أنّ المواضع‌

______________________________
(1). مكارم الشيرازي: هذه المسألة مشهورة شهرةً عظيمة و يدلّ عليه ما ورد في الباب 85 و 86 من الطواف و إن كانت أسنادها ضعيفة، و لكنّها منجبرة بعمل المشهور؛ و المعارض الّذي أفتى به الصدوق و إن كان صحيح الأسناد، لا يقاوم ما مرّ؛ و يدلّ عليه مع ذلك، ما ورد في حكم الطواف على سبيل الإطلاق إذا حدث فيه حدث قبل أربعة أشواط و بعد أربعة (راجع الباب 40 من أبواب الطواف)

(2). الخوئي: فيه إشكال؛ و الأحوط الإتيان بطواف بعد طهرها بقصد الأعمّ من الإتمام و التمام، كما أنّ الأحوط ذلك أيضاً فيما إذا حدث الحيض بعد تمام أربعة أشواط‌

(3). الخوئي: تقدّم أنّ حكمها التخيير‌

(4). الخوئي: الظاهر لزوم القضاء قبل طواف الحجّ‌

(5). مكارم الشيرازي: أو حقيقة لغويّة، كما صرّح به الراغب في المفردات و الجوهري في صحاح اللغة؛ اللّهم إلّا أن يقال: كلامهما ناظر إلى ما يستفاد من الأحاديث، فهي حقيقة متشرّعيّة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 437‌

الّتي يجوز الإحرام منها عشرة:

فصل في مقدّمات الإحرام‌

مسألة 1: يستحبّ قبل الشروع في الإحرام امور:

أحدها: توفير شعر الرأس، بل و اللحية لإحرام الحجّ مطلقاً، لا خصوص التمتّع كما يظهر من بعضهم، لإطلاق الأخبار، من أوّل ذي القعدة؛ بمعنى عدم إزالة شعرهما، لجملة من الأخبار و هي و إن كانت ظاهرة في الوجوب، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب لجملة اخرى من الأخبار ظاهرة فيه؛ فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق، حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضاً لخبر محمول على الاستحباب (4) أو على ما إذا كان في حال الإحرام. و يستحبّ التوفير للعمرة شهراً.

الثاني: قصّ الأظفار و الأخذ من الشارب و إزالة شعر الإبط و العانة بالطلي أو الحلق أو النَّتف، و الأفضل الأوّل ثمّ الثاني (5)، و لو كان مطليّاً قبله يستحبّ له الإعادة و إن لم يمض خمسة عشر يوماً. و يستحبّ أيضاً إزالة الأوساخ من الجسد، لفحوى ما دلّ على‌

______________________________
(1). الخوئي: لا يبعد صحّة إحرامه الأوّل إذا كان حينه أيضاً غير متمكّن من الرجوع إلى مكّة‌

(2). مكارم الشيرازي: و العمدة فيه هي مرسلة جميل المنجبرة بعمل المشهور و فتوى المُعظم، و قد يستشكل بالنسبة إلى العمرة المفردة لعدم شمولها له، و لكنّ الإنصاف أنّها إذا شملت الحجّ و عمرة التمتّع فشمولها للعمرة المفردة بطريق أولى‌

(3). الخوئي: في صحّة العمرة مع ترك إحرامها نسياناً أو جهلًا إشكال‌

(4). الخوئي: الخبر صحيح و ظاهره وجوب الدم على الحالق رأسه بمكّة إذا كان متمتّعاً و كان ذلك فيما بعد شهر شوّال، فهو أجنبيّ عن محلّ الكلام‌

(5). مكارم الشيرازي: يأتي بذلك رجاءً، لعدم وضوح مأخذه؛ و كذا ما بعده من استحباب الإعادة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 454‌

المذكورات؛ و كذا يستحبّ الاستياك.

الثالث: الغسل للإحرام في الميقات، و مع العذر عنه التيمّم (1)، و يجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء، بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضاً، و الأحوط الإعادة في الميقات (2)، و يكفي الغسل من أوّل النهار إلى الليل و من أوّل الليل إلى النهار، بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل و بالعكس، و إذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحبّ إعادته خصوصاً في النوم (3)، كما أنّ الأولى إعادته (4) إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، بل و كذا لو تطيّب، بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام؛ فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام، الأولى إعادته، و لو أحرم بغير غسل أتى به و أعاد صورة الإحرام (5)؛ سواء تركه عالماً عامداً أو جاهلًا أو ناسياً، و لكن إحرامه الأوّل صحيح باقٍ على حاله، فلو أتى بما يوجب الكفّارة بعده و قبل الإعادة وجبت عليه.

و يستحبّ أن يقول عند الغسل أو بعده: بسم اللّٰهِ و باللّٰهِ (6)، اللّٰهمّ اجعَلهُ لي نوراً و‌

________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، العروة الوثقى مع التعليقات، دو جلد، انتشارات مدرسه امام على بن ابى طالب عليه السلام، قم - إيران، اول، 1428 ه‍ ق

العروة الوثقى مع التعليقات؛ ج‌2، ص: 454

______________________________
(1). الامام الخميني: يأتي به رجاءً‌

الگلپايگاني: الأحوط إتيانه رجاءً و الغسل عند التمكّن و إعادة صورة الإحرام، كما لو أحرم بغير غسل‌

مكارم الشيرازي: يأتي بالتيمّم رجاءً، لعدم وضوح شمول أدلّة بدليّة التيمّم للأغسال المستحبّة كلّها؛ و كذا بالنسبة إلى الفروع الآتية للغسل و إعادته، فإنّه يأتي به رجاءً‌

(2). مكارم الشيرازي: بل الأفضل أيضاً، لما ورد من التصريح بالإعادة في بعض الروايات المعتبرة، مثل ما رواه هشام بن صالح على ما في طريق الصدوق، حيث قال: «لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماءً إذا بلغتم ذا الحليفة» (2 و 4/ 8 من أبواب الإحرام). و القول بأنّه لا يستفاد منه سوى الإباحة، مدفوع بأنّ الغسل عبادة و جوازها دليل على رجحانها‌

(3). الامام الخميني: بل في غير النوم محلّ تأمّل، و لا بأس بالإتيان به رجاءً‌

(4). الامام الخميني: يأتي به رجاءً‌

(5). مكارم الشيرازي: رجاءً؛ و الوجه في ذلك أنّ الخروج عن الإحرام لم يثبت في الشرع إلّا بالإتيان بمناسكه ثمّ التقصير؛ نعم، ظاهر رواية حسين بن سعيد عن أخيه الحسن إعادة الإحرام الملازم للخروج عنه بمجرّد النيّة، و الرواية و إن كانت معتبرة و لكنّها شاذّ فيما يستفاد منه، و الاعتماد عليها في مثل هذا الحكم مشكل جدّاً، و لذا لم يوافق أحد من المحشّين على العروة فيما رأيناه على ذلك، بل على إعادة صورة الإحرام‌

(6). مكارم الشيرازي: رجاءً أو بقصد الدعاء المطلق، لأنّه ورد في كلام الصدوق من غير إسناد إلى المعصومين عليهم السلام؛ نعم، من البعيد أن لا يكون موجوداً في رواية، و لكن حيث لم تصل إلينا لا يكون سندها معتبراً عندنا؛ و قد ذكرنا غير مرّة أنّ التسامح في أدلّة السنن غير ثابتة عندنا‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 455‌

طهوراً و حرزاً و أمناً من كلّ خوفٍ و شِفٰاءً من كلّ داءٍ و سُقمٍ، اللّٰهُمّ طَهّرْني و طَهّرْ قَلبي و اشرَح لي صَدري و أجْرِ عَلى لِساني محَبّتَكَ و مِدْحَتَكَ و الثناءَ عَلَيْكَ فإنّه لا قوّة إلّا بكَ و قَد عَلِمتُ أنّ قَوامَ ديني التسليمُ لَكَ و الاتّباعُ لِسُنّةِ نَبيّكَ صَلواتُكَ عَلَيهِ و آلهِ».

الرابع: أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة؛ و قيل بوجوب ذلك (1)، لجملة من الأخبار الظاهرة فيه، المحمولة على الندب للاختلاف الواقع بينها و اشتمالها على خصوصيّات غير واجبة، و الأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حجّ التمتّع، فإنّ الأفضل فيه أن يصلّى الظهر بمنى، و إن لم يكن في وقت الظهر فبَعد صلاة فريضة اخرى حاضرة، و إن لم يكن فمقضيّة (2)، و إلّا فعقيب صلاة النافلة.

الخامس: صلاة ستّ ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام، و الأولى الإتيان بها مقدّماً على الفريضة (3)، و يجوز إتيانها في أىّ وقت كان بلا كراهة حتّى في الأوقات المكروهة و في وقت الفريضة حتّى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة، لخصوص الأخبار‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: و الأحوط عدم تركه‌

مكارم الشيرازي: القائل هو الإسكافي فيما حكي عنه، و لم نر قولًا بالوجوب لغيره، إلّا أنّ غير واحد من أعلام المحشّين نصّوا على عدم ترك الاحتياط هنا و إن كان أكثرهم وافقوا المشهور في الاستحباب. و العمدة في القول بالوجوب أو الاحتياط المطلق هو صحيحة معاوية بن عمّار (1/ 18 من أبواب الإحرام و 5/ 18 منه) و لكن له رواية اخرى مشتملة على مستحبّات كثيرة (1/ 16 من أبواب الإحرام) و من المحتمل قريباً كون الجميع رواية واحدة و لا أقلّ من أنّه لا ظهور لها في التعدّد، و معه يشكل الأخذ بظهور الاولى في الاستقلال، و يؤيّده فهم المشهور‌

(2). مكارم الشيرازي: لا دليل على كفاية صلاة القضاء إلّا إطلاق الفريضة أو المكتوبة الوارد في روايات الباب، و لكن شمولها للقضاء مشكل جدّاً، كما يظهر بمراجعة (رواية 5/ 18 من أبواب الإحرام) فالأولى الاكتفاء بالنافلة حينئذٍ‌

(3). مكارم الشيرازي: الجمع بينها و بين الفريضة لا يخلو عن إشكال، بل لعلّ ظاهر الأخبار التخيير بين كون الإحرام عقيب الفريضة أو عقيب النافلة، فراجع ما رواه عمر بن يزيد (3/ 18 من أبواب الإحرام) و ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام قال: «لا يكون الإحرام إلّا في دَبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دَبرها بعد التسليم و إن كانت نافلة صلّيت ركعتين و أحرمت في دَبرهما» (1/ 16 منه)

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 456‌

الواردة في المقام؛ و الاولى، أن يقرأ في الركعة الاولى بعد الحمد (1) التوحيد و في الثانية الجحد، لا العكس كما قيل.

مسألة 2: يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحنّاء إذا كان يبقى أثره (2) إلى ما بعده مع قصد الزينة، بل لا معه أيضاً إذا كان يحصل به الزينة و إن لم تقصدها، بل قيل بحرمته، فالأحوط تركه و إن كان الأقوى عدمها. و الرواية مختصّة بالمرأة، لكنّهم ألحقوا بها الرجل أيضاً لقاعدة الاشتراك، و لا بأس به. و أمّا استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به و إن بقي أثره، و لا بأس بعدم إزالته و إن كانت ممكنة.

فصل في كيفيّة الإحرام و واجباته ثلاثة

فصل في كيفيّة الإحرام و واجباته ثلاثة:

Begin WebGozar.com Counter code End WebGozar.com Counter code