التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة (2)، و هي ميقات من لم يمرّ على أحدها، و الدليل عليه صحيحتا ابن سنان، و لا يضرّ اختصاصهما (3) بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثاليّة منهما و عدم القول بالفصل، و مقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة.
و تتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه و بين مكّة باب (4)، و
______________________________
(1). مكارم الشيرازي: لا يُترك هذا الاحتياط، كما هو المستفاد من المتن أيضاً فإنّه نقل الحكم بكون «فخّ» ميقاتاً عن جماعة من دون الفتوى به و لعلّه لأنّ العمدة في هذا الحكم صحيحتا أيّوب بن حرّ (1/ 18 من أبواب المواقيت) و عليّ بن جعفر (2/ 18 من المواقيت) و ليس فيهما إلّا الأمر بالتجريد من فخّ و إن كان يمكن أن يقال أنّ التجريد كناية عن الإحرام، و لكنّ الاعتماد على هذا الاحتمال مشكل، فالأحوط ما ذكر، كما أنّ الأحوط حينئذٍ الفدية للبس المخيط و إن كان ظاهر الأصحاب عدم وجوبه
(2). مكارم الشيرازي: و العمدة هنا صحيحة ابن سنان (و ليس هنا صحيحتان، كما ذكره في المتن، بل هي رواية واحدة رويت بطريقين مع اختلاف يسير في التعبير، كما لا يخفى على من تأمّل فيهما حقّ التأمّل) و مقتضاها هو وجوب الإحرام من الأبعد، لأنّ ظاهر الأمر هو الوجوب التعييني؛ و العجب ممّن صرّح بوجوب الإحرام من الأقرب، مع عدم دليل عليه
(3). الخوئي: لا يبعد الاختصاص بملاحظة أنّ مسجد الشجرة له خصوصيّة و هي أنّ السنّة في الإحرام منه أن يفرض الحجّ في المسجد و يؤخّر التلبية إلى البَيداء، و هي خصوصيّة ليست لسائر المواقيت فلا يبعد أن يكون الاكتفاء بالمحاذاة خصوصيّة له، و على فرض التنزّل فالمحاذاة المعتبرة لا بدّ أن تكون مثل ذلك المقدار ممّا يمكن للشخص رؤية المحاذى له لا بمقدار مسافة بعيدة كعشرين فرسخاً أو أكثر، و على هذا فلا مجال للكلام في سائر خصوصيّاتها الّتي في المتن، و مع ذلك ففي كلامه مواضع للنظر لا موجب للتعرّض لها
(4). الامام الخميني: في العبارة اشتباه، و لو كان مكان «باب» «مسافة» يكون المراد أنّ الضابط من المحاذاة هو الوصول إلى موضع تكون مسافته إلى مكّة كمسافة الميقات إليها، و لازمه أن يكون كلّ من الميقات و ذلك الموضع على محيط دائرة تكون مكّة مركزها و هو لا ينطبق على ضابطه الآخر و لا يكون صحيحاً عرفاً و لا عقلًا. و الضابط الآخر صحيح، فإنّ لازم كون الخطّ من موقفه إلى الميقات في ذلك الطريق أقصر الخطوط أن يكون الميقات على يمين المارّ أو شماله في ذلك الطريق بحيث لو جاز عنه مال إلى ورائه
الگلپايگاني: العبارة غير وافية بالمقصود و لعلّها محرّفة؛ و الأولى أن يقال: تتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو شماله بالخطّ المستقيم
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 442
هي بين ذلك الميقات و مكّة (1) بالخطّ المستقيم، و بوجه آخر أن يكون الخطّ من موقفه إلى الميقات أقصر (2) الخطوط في ذلك الطريق. ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه، فيعتبر فيها المسامتة (3) كما لا يخفى.
و اللّازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن، و إلّا فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة (4)، و مع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله و استمرار النيّة و التلبية إلى آخر مواضعه، و لا يضرّ احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذٍ، مع أنّه لا يجوز، لأنّه لا بأس به (5) إذا كان بعنوان الاحتياط، و لا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذاةً، و المفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة، و يجوز لمثل هذا الشخص (6) أن ينذر الإحرام قبل الميقات (7) فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر، و الأحوط في صورة الظنّ أيضاً عدم الاكتفاء به و إعمال أحد هذه الامور و إن كان الأقوى
______________________________
(1). مكارم الشيرازي: العبارة محرّفة بلا إشكال، و حقّ العبارة أن يقال: «إلى موضع يكون بينه و بين مكّة بقدر ما بين ذلك الميقات و مكّة» كما يظهر لمن راجع الجواهر فإنّه قال: «معنى غلبة الظنّ بمحاذاة أقرب المواقيت حينئذٍ بلوغ محلّ بينه و بين مكّة بقدر ما بين مكّة و أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان» (الجواهر ج 8 ص 116). و ليعلم أنّ المراد بمرحلتين هو ميقات «قرن المنازل» أو «يلملم» لأنّهم صرّحوا بأنّهما على مرحلتين من مكّة
(2). الگلپايگاني: مع كون الميقات على يمينه أو شماله
(3). الگلپايگاني: مع كونه في ناحية يكون ذلك الميقات ميقاتاً لأهلها
(4). مكارم الشيرازي: بل يمكن أن يقال: أنّ قول أهل الخُبرة حجّة حتّى مع إمكان تحصيل العلم لا سيّما إذا كان عدلًا، لحجيّة قول أهل الخُبرة في أمثال المقام أوّلًا، و حجيّة خبر العدل الواحد في الموضوعات ثانياً، كما ذكرناه في محلّه
(5). الامام الخميني: فيه إشكال، بل منع لو قلنا بحرمة الإحرام قبل الوصول إلى المحاذاة مع جريان الأصل الموضوعي أو الحكمي فيه، فاللازم لمثل هذا الشخص التخلّص بالنذر
(6). الگلپايگاني: بل هو الأحوط
(7). مكارم الشيرازي: بل هذا هو الأحوط، لما وقع من الإشكال في العمل بالاحتياط من ناحية بعضهم. و سيأتي الكلام في حكم نذر الإحرام قبل الميقات في أحكام المواقيت مشروحاً إن شاء اللّه
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 443
الاكتفاء، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات، لكنّ الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً. ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ (1) بالمحاذاة و لم تبيّن الخلاف فلا إشكال، و إن يتبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة و لم يتجاوزه أعاد الإحرام، و إن تبيّن كونه قبله و قد تجاوز أو تبيّن كونه بعده فإن أمكن العود و التجديد تعيّن، و إلّا فيكفي (2) في الصورة الثانية و يجدّد في الاولى (3) في مكانه، و الأولى التجديد مطلقاً. و لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ و البحر (4).
ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يتصوّر طريق لا يمرّ على ميقات و لا يكون محاذياً لواحد منها (5)، إذ المواقيت محيطة بالحرم (6) من الجوانب (7)، فلا بدّ من محاذاة واحد منها، و لو فرض إمكان ذلك
______________________________
(1). الامام الخميني: أو العلم به
(2). الامام الخميني: إذا كان إحرامه قبل الحرم، أو لم يمكن له الرجوع إلى خارج الحرم، و إلّا فيرجع إلى خارج الحرم فيحرم منه
الگلپايگاني: بل يجدّد في الصورتين، إلّا إذا تبيّن عدم التمكّن من الإحرام من الميقات حين إحرامه من بعد الميقات
(3). مكارم الشيرازي: بل لا يُترك الاحتياط بتجديد الإحرام في الصورة الثانية أيضاً، لأنّ إحرامه الأوّل كان في زمان يمكنه العود إلى الميقات، فإحرامه ممّا بعده لم يكن جائزاً في الواقع إلّا إذا فرض عدم قدرته على ذلك في الإحرام الأوّل أيضاً
(4). الگلپايگاني: و الظاهر كفاية الإحرام في الطيّارة فوق الميقات إذا أحرز و تمكّن من الإحرام فيها
مكارم الشيرازي: بل و كذا الجوّ إذا سافر بالطائرة، فلو كان هناك مطار بعد المواقيت أو داخل الحرم فلا يجوز لركّاب الطائرات العبور عن محاذاة الميقات إلّا محرماً و يكفيهم إحرامهم في الجوّ؛ و أمّا مسألة الاستظلال في تلك الحالة فهو أمر آخر سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى
(5). الخوئي: بين هذا و ما تقدّم منه قدس سره من اختصاص المحاذاة بموارد الصدق العرفيّ تهافت ظاهر
(6). الگلپايگاني: و لا ينافي ذلك كون يلملم لثلاثة أرباع الدائرة، لأنّ ميقات جميع هذه الناحية يلملم
(7). مكارم الشيرازي: لا يُترك الاحتياط بالرجوع إلى أحد المواقيت لو أمكن، و إلّا فيحرم في محلّ يظنّ أو يحتمل المحاذاة ثمّ يجدّده في أدنى الحلّ، و قال سيّدنا الاستاذ المحقّق البروجردي قدس سره في بعض حواشيه في المقام: ليس كذلك، فإنّ «ذا الحليفة» و «الجحفة» كليهما في شمال الحرم على خطّ واحد تقريباً، و «قرن المنازل» في المشرق منه، و «العقيق» بين الشمال و المشرق، فتبقى «يلملم» وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم، و بينها و بين «قرن المنازل» أكثر من ثلاثة أثمان الدورة، و منها إلى «الجحفة» قريب من ذلك (انتهى). و يظهر فيما حكي عن كثير من الأعلام كالعلّامة في القواعد و صاحب الحدائق في حدائقه و صاحب المدارك في مداركه و غيرهم المفروغيّة من وجود طرق لا تنتهي إلى شيء من المواقيت و محاذاتها، مضافاً إلى أنّ الشكّ في ذلك كافٍ و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الإحرام في أمثاله إلّا من أدنى الحلّ، و لكن مع ذلك لا يُترك الاحتياط عند ما يحتمل محاذاة بعض المواقيت ثمّ تجديد الإحرام في أدنى الحلّ؛ هذا إذا لم يقدر على المرور على بعض المواقيت، و إلّا فلا يُترك الاحتياط بالمرور على الميقات لما عرفت، و ذلك لما يظهر من بعض الروايات أنّ المواقيت الّتي حدّدها رسول اللّه صلى الله عليه و آله محدودة معدودة لا يحرم إلّا منها أو ما يحاذيها (مثل 3 و 7/ 1 من المواقيت) و سيأتي تتمّة الكلام في ذلك في أحكام الإحرام
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 444
فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ (1). و عن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه و بين مكّة بقدر ما بينها و بين أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان، لأنّه لا يجوز لأحدٍ قطعه إلّا محرماً؛ و فيه: أنّه لا دليل عليه، لكنّ الأحوط (2) الإحرام منه و تجديده في أدنى الحلّ.