الخامسة: إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة فأنكرت و ادّعت زوجيّة امرأة اخرى لا يصحّ شرعاً زوجيّتها لذلك الرجل مع الامرأة الاولى، كما إذا كانت اخت الاولى أو امّها أو بنتها، فهناك دعويان: إحداهما من الرجل على الامرأة، و الثانية من الامرأة الاخرى على ذلك الرجل، و حينئذٍ فإمّا أن لا يكون هناك بيّنة لواحد من المدّعيين أو يكون لأحدهما دون الآخر أو لكليهما؛ فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين، فإن حلفا سقطت الدعويان (1)، و كذا إن نكلا (2) و حلف كلّ من المدّعيين اليمين المردودة، و إن حلف أحدهما و نكل الآخر و حلف مدّعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأوّل و ثبت مدّعى الثاني. و على الثاني و هو ما إذا كان لأحدهما بيّنة، ثبت مدّعى من له البيّنة، و هل تسقط دعوى الآخر أو يجري عليه قواعد الدعوى، من حلف المنكر أو ردّه؟ قد يدّعى القطع بالثاني، لأنّ كلّ دعوى لا بدّ فيها من البيّنة أو الحلف، و لكن لا يبعد (3) تقوية الوجه الأوّل، لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة (4) و إذا ثبت بها زوجيّة إحدى الامرأتين لا يمكن معه زوجيّة الاخرى، لأنّ
______________________________
(1). الگلپايگاني: بمقتضى الحلفين
(2). الگلپايگاني: أي سقطت الدعويان، لكن لتعارض الحلفين
مكارم الشيرازي: أمّا سقوط الدعويين عند حلف المنكر في المقامين، فظاهر، فإنّه نتيجة الحلفين؛ و أمّا في فرض النكول، فلتعارض الزوجين. و من هنا يمكن التفصيل بينما إذا كانت الدعويان متقارنتين فيحكم بالتساقط، و أمّا إذا كانتا مختلفتين بحسب الزمان فاقيمت إحداهما و ثبتت الزوجيّة بحكم الشرع لإحدى الاختين، و حينئذٍ لا أثر للدعوى الثانية و لا لليمين المردودة بعد أن كان متعلّقاً لحقّ الغير. و ما في كلمات غير واحد منهم من التفصيل بينما إذا دخل بإحداهما و عدمه، نظراً إلى تكذيب الفعل للقول و تعارض الأصل و الظاهر غير جيّد، لأنّ فعل الدخول أعمّ من الزوجيّة، فتأمّل
(3). الامام الخميني: الأقرب هو الوجه الأوّل
(4). مكارم الشيرازي: يمكن أن يقال: حجيّة اللوازم الشرعيّة أو العقليّة في الأمارات و منها البيّنة إنّما هي في غير مقام الدعوى، و لا أقلّ من الشكّ، و الأصل عدم حجّيتها؛ فالمدار على المعنى المطابقي للبيّنة، بل هو معنى الشهادة؛ و حينئذٍ لا تصل النوبة إلى أنّ البيّنة بالنسبة إلى اللازم في المقام من قبيل بيّنة المنكر، و قد وقع الخلاف في محلّه في جواز إقامة البيّنة من المنكر أم لا
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 846
المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين، فلازم ثبوت زوجيّة إحداهما بالأمارة الشرعيّة عدم زوجيّة الاخرى. و على الثالث فإمّا أن يكون البيّنتان مطلقتين أو مورّختين متقارنتين أو تاريخ إحداهما أسبق من الاخرى؛ فعلى الأوّلين تتساقطان و يكون كما لو لم يكن بيّنة أصلًا، و على الثالث ترجّح الأسبق (1) إذا كانت تشهد بالزوجيّة من ذلك التاريخ إلى زمان الثانية (2)، و إن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية فكذلك إذا كانت الامرأتان الامّ و البنت مع تقدّم تاريخ البنت، بخلاف الاختين و الامّ و البنت مع تقدّم تاريخ الامّ، لإمكان صحّة العقدين، بأن طلّق الاولى و عقد على الثانية في الاختين و طلّق الامّ مع عدم الدخول بها، و حينئذٍ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان (3). هذا، و لكن وردت رواية تدلّ على تقديم
______________________________
(1). الگلپايگاني: هذا إذا شهدت المتقدّمة بوقوع العقد السابق و بقائه إلى زمان تشهّد المتأخّر بوقوع العقد الثاني فيه، فإنّ مقتضى العمل بكلتا البيّنتين بطلان العقد الثاني، و أمّا إذا شهدت البيّنتان على زوجيّتهما الفعليّة فالظاهر تعارض البيّنتين
(2). مكارم الشيرازي: إنّما ترجّح الأسبق إذا شهدت بوقوع العقد من قبل و شهدت الثانية بوقوع العقد بعده؛ و أمّا إذا شهدتا بالزوجيّة في الحال، فلا محالة يقع التعارض بينهما و إن كانت شهادة أحدهما أسبق. و عبارة المصنّف مبهمة، يظهر من بعضها أنّ النزاع في وقوع العقد و من بعضها أنّ النزاع في وقوع الزوجيّة؛ و لكنّ الحكم ما عرفت
(3). الامام الخميني: فيه تفصيل
الخوئي: تارة يفرض شهادة البيّنتين على العقد و اخرى يفرض شهادتهما على الزوجيّة، فعلى الأوّل لا تنافي بينهما إلّا في الامّ و البنت و كان تاريخ عقد البنت مقدّماً على تاريخ عقد الامّ، و في مثله تتقدّم البيّنة الاولى على البيّنة الثانية لأنّها ترفع موضوعها، و أمّا في غير الامّ و البنت كما في الاختين أو فيهما إذا كان تاريخ عقد الامّ متقدّماً على عقد البنت، فعندئذٍ لا تنافي بين البيّنتين لإمكان صحّة كلا العقدين معاً، إذ من المحتمل أن يطلّق الاولى و يتزوّج بالاخرى، و عليه فيؤخذ على طبق البيّنة الثانية فيحكم بصحّة العقد على المرأة الاخرى لأصالة الصحّة، و على الثاني فإن كانت البيّنة الاولى قائمة على زوجيّة المرأة الاولى فعلًا فعندئذٍ تسقط من جهة المعارضة مع البيّنة الثانية الّتي تدلّ على زوجيّة المرأة الاخرى، فيكون المرجع في المسألة هو استصحاب بقاء زوجيّة الاولى إلّا فيما كانت المعارضة بينهما في الامّ و البنت و كانت زوجيّة البنت متقدّمة على زوجيّة الامّ، فإنّه حينئذٍ كما أنّ البيّنة الثانية تعارض البيّنة الاولى في البقاء كذلك تعارضها في الحدوث، و عليه فبعد سقوطهما لا يمكن الرجوع إلى استصحاب بقاء زوجيّة الاولى. و أمّا الرواية الواردة في المسألة فهي ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، و بذلك يظهر ما في قول الماتن قدس سره قبل أسطر: «ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد ... الخ»، و إن كان البيّنة الاولى قائمة على زوجيّة المرأة الاولى فحسب، من دون دلالتها على أنّها زوجته فعلًا، فعندئذٍ حال هذا الفرض حال الفرض الأوّل
الگلپايگاني: مع فرض إمكان الجمع لا وجه للترديد بين الترجيح و التساقط، بل يعمل بكلتا البيّنتين؛ و لو شهدت كلتاهما بالزوجيّة الفعليّة، فلا وجه إلّا التساقط
مكارم الشيرازي: لا وجه لترجيح الثانية و لا التساقط، بل يعمل بكليهما و إن كانت النتيجة في الحال زوجيّة الثانية و ذلك لأنّ محتوى البيّنة الاولى كون الامّ أو الاخت زوجة له من قبل، فيؤخذ به و يرتّب عليه آثاره بالنسبة إلى الزمان الماضي، و مفهوم البيّنة الثانية كونها زوجة له في الحال، فيؤخذ به؛ نعم، مقتضى الاستصحاب بعد ثبوت الزوجيّة السابقة بقاؤها إلى الحال، و لكن لا ربط له بمفهوم البيّنة، و من الواضح أنّه لا قيمة للاستصحاب في قبال البيّنة الثانية
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 847
بيّنة الرجل (1)، إلّا مع سبق بيّنة الامرأة المدّعية أو الدخول بها في الاختين، و قد عمل بها المشهور في خصوص الاختين. و منهم من تعدّى إلى الامّ و البنت أيضاً، و لكنّ العمل بها حتّى في موردها مشكل (2)، لمخالفتها للقواعد و إمكان حملها على بعض المحامل الّتي لا تخالف القواعد.