الثاني: من الشروط، الحرّيّة (2)؛ فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعاً من حيث المال، بناءً على ما هو الأقوى (3) من القول بملكه أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة؛ نعم، لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال، و لكن لا يجزيه عن حجّة الإسلام، فلو اعتق بعد ذلك أعاد، للنصوص؛ منها خبر مسمع: «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج، كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلًا» و منها: «المملوك إذا حجّ و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن اعتق أعاد الحجّ». و ما في خبر حكم بن حكيم: «أيّما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحجّ أو على أنّه يجزيه عنها ما دام مملوكاً، لخبر أبان: «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق»، فلا إشكال في المسألة؛ نعم، لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر، أجزأه عن حجّة الإسلام بالإجماع و النصوص.
و يبقى الكلام في امور:
أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق فهو من باب القلب، أو لا، بل هو انقلاب شرعيّ؟ قولان؛ مقتضى إطلاق النصوص، الثاني و هو الأقوى، فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم و لم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النيّة كفاه (4) و أجزأه.
______________________________
(1). الگلپايگاني: فيه تأمّل و إشكال، و كذا في الفرع الثاني
(2). مكارم الشيرازي: و حيث إنّ مسائل العبيد و الإماء خارجة عن محلّ الابتلاء، أغمضنا عن البحث فيها
(3). الامام الخميني: فيه تأمّل
(4). الگلپايگاني: فيه إشكال، فلا يُترك الاحتياط
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 275
الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق أو لا يشترط ذلك أصلًا؟ أقوال؛ أقواها الأخير (1)، لإطلاق النصوص و انصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة عن المقام.
الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر؛ سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا؟ أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك المشعر، لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى؟ قولان؛ الأحوط الأوّل (2)، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياريّ من المشعر، فلا يكفي إدراك الاضطراريّ منه، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين و إن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر (3)، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً و لو مملوكاً.
الرابع: هل الحكم مختصّ بحجّ الإفراد و القران، أو يجري في حجّ التمتّع أيضاً و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكيّة؟ الظاهر الثاني، لإطلاق النصوص، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل، لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحجّ لا للعمرة الواقعة حال المملوكيّة؛ و فيه ما مرّ من الإطلاق، و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنّهما عمل واحد؛ هذا إذا لم ينعتق إلّا في الحجّ، و أمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع و أدرك بعضها معتقاً، فلا يرد الإشكال (4).
مسألة 1: إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به، ليس له أن يرجع (5) في إذنه، لوجوب الإتمام على المملوك، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ نعم، لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبّسه به، لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه؛ و إذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ
______________________________
(1). الخوئي: بل الأقوى أوسطها
الگلپايگاني: بل الثاني
(2). الخوئي: و الأظهر الثاني
الگلپايگاني: و لكنّ الثاني غير بعيد
(3). الگلپايگاني: يكفي درك المشعر حُرّاً و لا يعتبر سبق الانعتاق
(4). الخوئي: لم يظهر وجهه
(5). الخوئي: على الأحوط، و لا يبعد جواز الرجوع؛ و به يظهر الحال في المسألة الآتية
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 276
إحرامه و يجب إتمامه، أو يصحّ و يكون للمولى حلّه، أو يبطل؟ وجوه؛ أوجهها الأخير، لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع. و دعوى أنّه دخل دخولًا مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف و لم يعلم الوكيل، مدفوعة، بأنّه لا تكفي المشروعيّة الظاهريّة و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل، و لا يجوز القياس عليه.
مسألة 2: يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه، و ليس للمشتري حلّ إحرامه؛ نعم، مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.
مسألة 3: إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه، و إن لم يتمكّن فعليه أن يصوم؛ و إن لم ينعتق، كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم، للنصوص و الإجماعات.
مسألة 4: إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفّارة، فهل هي على مولاه أو عليه و يتبع بها بعد العتق، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ (1) وجوه؛ أظهرها (2) كونها على مولاه (3)، لصحيحة حريز، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه؛ نعم، لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره، لم يبعد كونها عليه، حملًا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفّارة في الصيد على مولاه على هذه الصورة.
مسألة 5: إذا أفسد المملوك المأذون حجَّه بالجماع قبل المشعر، فكالحرّ في وجوب الإتمام و القضاء؛ و أمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه، فالظاهر (4) أنّ حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ، و قد مرّ أنّ الأقوى (5) كونها على المولى الآذن له في الإحرام. و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء، لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه، أو لا، لأنّه من سوء اختياره؟
قولان؛ أقواهما الأوّل (6)؛ سواء قلنا: إنّ القضاء هو حجّه، أو أنّه عقوبة و أنّ حجّه
______________________________
(1). الخوئي: هذا الوجه هو الأظهر
(2). الامام الخميني: محلّ إشكال، و الاحتياط لا يُترك
(3). الگلپايگاني: مشكل، لكن لا يُترك مراعاة الاحتياط
(4). الامام الخميني: لا يبعد أن يكون حالها حال الهدي في الحجّ الصحيح
(5). الگلپايگاني: و قد مرّ الإشكال فيه، لكن لا يُترك الاحتياط
(6). الامام الخميني: لكن لا لما ذكره
الخوئي: فيه إشكال، و لا سيّما على القول بأنّ القضاء هو حجّة الإسلام، و الأوّل فاسد
الگلپايگاني: لكن لا لما ذكر، بل لعدم جواز منع المولى عبده من الواجبات، و سوء اختيار العبد لم يمنع وجوب القضاء عليه بعد شمول الأدلّة بإطلاقها له
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 277
هو الأوّل، هذا إذا أفسد حجّه و لم ينعتق؛ و أمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق، فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة (1) و كونه مجزياً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين (2) من كون الإتمام عقوبة (3) و أنّ حجّه هو القضاء أو كون القضاء عقوبة، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام و إن كان عاصياً في ترك القضاء؛ و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر، إلّا أنّه لا يجزيه عن حجّة الإسلام، فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع، و إن كان مستطيعاً فعلًا ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أنّ القضاء فوريّ (4) أو لا؛ فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه (5)، و على الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريّتها دون القضاء.
مسألة 6: لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحجّ على المملوك و عدم صحّته إلّا بإذن مولاه و عدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلّا إذا انعتق قبل المشعر، بين القنّ و المدبّر و المكاتب و امّ الولد و المبعّض، إلّا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية، مع عدم كون السفر خطريّاً، فإنّه يصحّ منه بلا إذن، لكن لا يجب، و لا يجزيه حينئذٍ عن حجّة الإسلام و إن كان مستطيعاً، لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً و إن كان يمكن دعوى الانصراف (6) عن هذه الصورة؛ فمن
______________________________
(1). الخوئي: لا يبعد أن يكون وجوب البدنة على المولى
(2). الگلپايگاني: هذا إذا كان الإفساد بعد العتق قبل المشعر، و أمّا إذا كان قبل العتق، فيشكل الإجزاء على القول الأوّل، لأنّ الإتمام بالفرض عقوبة، و القضاء قضاء للمستحبّ الفاسد
(3). الامام الخميني: على هذا القول يشكل الإجزاء؛ إذ القضاء قضاء الحجّ المندوب الفاسد لا حجّة الإسلام، و الإتمام عقوبة على الفرض؛ نعم، لو انعتق ثمّ أفسد فالأمر كما ذكره
(4). الامام الخميني: بناءً على فوريّته فالظاهر التخيير بينهما، لعدم إحراز الأهمّية في واحد منهما و ما هو الأهمّ هو أصل حجّة الإسلام لا فوريّته؛ و أمّا سبق السبب فلا يفيد شيئاً، كما أنّ القول بعدم تحقّق الاستطاعة مع فوريّة القضاء و أنّ المانع الشرعيّ كالعقليّ غير تامّ، و لا يسع المجال لبيانه
(5). الخوئي: فيه إشكال، و لا يبعد لزوم تقديم حجّة الإسلام
الگلپايگاني: سبق السبب لا يؤثّر في تقديمه، بل التقديم موقوف على إحراز كون القضاء واجباً فوريّاً أهمّ من حجّة الإسلام؛ و حيث إنّ فوريّته فضلًا عن أهميّته غير محرزة، بل الظاهر أهميّة حجّة الإسلام، فالأقوى تقديم حجّة الإسلام مطلقاً
(6). الخوئي: هذه الدعوى ممنوعة، فإنّ الجزء الحرّ لا يجب عليه الحجّ، و العبد لا حجّ عليه حتّى ينعتق على ما نطق به النصّ
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 278
الغريب ما في الجواهر (1) من قوله: «و من الغريب ما ظنّه بعض الناس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال، ضرورة منافاته للإجماع المحكيّ عن المسلمين الّذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحرّيّة المعلوم عدمها في المبعّض» انتهى؛ إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف (2) مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّيّة (3).
مسألة 7: إذا أمر المولى مملوكه بالحجّ، وجب عليه طاعته و إن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام، كما إذا آجره للنيابة عن غيره، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة و بين إجارته للحجّ أو الصلاة أو الصوم.