فصل في الإجارة الثانية برو به برنامه

يكفي في صحّة الإجارة كون المؤجر مالكاً للمنفعة أو وكيلًا عن المالك لها أو وليّاً عليه. و إن كانت العين للغير، كما إذا كانت مملوكة بالوصيّة أو بالصلح أو بالإجارة، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره، لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال (1)؛ فلو استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع مدّة معيّنة، فآجرها في تلك المدّة أو في بعضها من آخر، يجوز و لكن لا يسلّمها إليه، بل يكون هو معها، و إن ركبها ذلك الآخر أو حملها متاعه فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده، فإن سلّمها بدون إذن المالك ضمن، هذا إذا كانت الإجارة الاولى مطلقة (2)؛ و أمّا إذا كانت مقيّدة، كأن استأجر الدابّة لركوبه نفسه، فلا يجوز إجارتها من آخر (3)، كما أنّه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه، كذلك أيضاً، أي لا يجوز إجارتها من الغير؛ نعم، لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه و لم يشترط كونها لنفسه، جاز أيضاً إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير؛ ثمّ لو خالف و آجر في هذه الصور ففي الصورة الاولى و هي ما إذا استأجر الدابّة لركوبه نفسه بطلت (4)، لعدم كونه مالكاً‌

______________________________
(1). الامام الخميني: و إن كان الجواز لا يخلو من وجه‌

الخوئي: لا يبعد الجواز إذا كان المستأجر الثاني أميناً مع إطلاق العقد كما هو المفروض، و مع ذلك للمالك مطالبة العين من المستأجر الأوّل بعد انقضاء المدّة، و بذلك يظهر عدم ضمانه بالتسليم إلى المستأجر الثاني‌

الگلپايگاني: لا إشكال في جواز التسليم، بل وجوبه فيما له التسليم من المؤجر الأوّل بحيث لو لم يسلّم إليه يجبر عليه، من غير فرق بين ما توقّف استيفاء المنفعة عليه أو ما تعارف ذلك في إجارته، و حينئذٍ لا ضمان مع التلف‌

(2). مكارم الشيرازي: يعني مطلقة من ناحية انتفاع شخصه أو غيره؛ أمّا إن كانت مطلقة من ناحية الاستيفاء بالمباشرة أو بالتسبيب، فلا مانع من إعطائه بيد الغير؛ فالحكم بالجواز و عدمه تابع لإطلاق الإجارة من ناحية كيفيّة الاستيفاء على كلّ حال‌

(3). الخوئي: التقييد لا ينافي جواز الإجارة من آخر، و ذلك كما إذا استأجرت المرأة داراً لسكناها مقيّدة ثمّ تزوّجت، فإنّه يجوز لها أن تؤجرها من زوجها لسكناها، و بذلك يظهر ما في الحكم بالبطلان على الإطلاق؛ بعيد ذلك‌

(4). مكارم الشيرازي: فيه إشكال، لاحتمال كونه من قبيل تعدّد المطلوب؛ و قد عرفت غير مرّة أنّ كون شي‌ء من القيود المقوّمة أو الشرائط، بحسب أنظار أهل العرف؛ فالإجارة الثانية ليست فاسدة من هذه الناحية، و لكن لمّا كان هذا التصرّف متعلّقاً لحقّ الغير فنفوذه يحتاج إلى إجازته و بدونها فضوليّ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 510‌

إلّا ركوبه نفسه، فيكون المستأجر الثاني ضامناً لُاجرة المثل (1) للمالك (2) إن استوفى المنفعة. و في الصورة الثانية و الثالثة في بطلان الإجارة و عدمه وجهان (3) مبنيّان على أنّ التصرّف المخالف للشرط باطل، لكونه مفوّتاً لحقّ الشرط أو لا، بل حرام و موجب للخيار؛ و كذا في الصورة الرابعة (4) إذا لم يستوف هو، بل سلّمها إلى ذلك الغير.

مسألة 1: يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة و ما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقلّ ممّا استأجر و بالمساوي له مطلقاً أىّ شي‌ء كانت، بل بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً أو كانت الاجرة من غير جنس الاجرة (5) السابقة (6)، بل مع عدم الشرطين‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: الظاهر أنّ المستأجر الأوّل ضامن للُاجرة المسمّاة للمالك و المستأجر الثاني ضامن لما أتلفه على المستأجر الأوّل؛ نعم، إن كان ما استوفاه الثاني أزيد ممّا استحقّه الأوّل، فالثاني ضامن لُاجرة المثل للمالك بالنسبة إلى الزيادة و إن كان للمالك الرجوع إلى كلّ منهما فيها‌

(2). مكارم الشيرازي: بل يكون ضامناً لُاجرة المثل للمستأجر الأوّل، و يكون المستأجر الأوّل ضامناً لُاجرة المسمّى للمالك، و له مع ذلك حقّ الفسخ؛ و لو كان ما استوفاه الثاني أكثر ممّا استحقّه الأوّل، فهو ضامن لُاجرة المثل بالنسبة إلى هذا المقدار للمالك، و له مع ذلك حقّ الرجوع إلى كلّ واحد منهما لضمانهما معاً‌

(3). الامام الخميني: أوجههما الثاني، و أولى بذلك الصورة الرابعة‌

الخوئي: أظهرهما الثاني في الصورة الثانية؛ و أمّا الصورة الثالثة فهي إن لم تكن الصورة الاولى بعينها فمتّحدة معها حكماً، غير أنّه لا يجوز فيها الإجارة من الغير مطلقاً‌

الگلپايگاني: الظاهر صحّة الإجارة في الصورة الثانية و الرابعة و للمالك خيار تخلّف الشرط مع عدم تمكّنه من إلزامه بالعمل بالشرط؛ و أمّا الصورة الثالثة فالظاهر أنّه يرجع إلى تحديد المنافع، و حكمه حكم الصورة الاولى في بطلان الإجارة و الضمان‌

مكارم الشيرازي: الظاهر بطلانه، بمعنى كونه فضوليّاً متوقّفاً على إجازة المالك، لما عرفت آنفاً‌

(4). الخوئي: الظاهر عدم بطلان الإجارة في هذه الصورة، فإنّ حرمة التسليم لا تلازم بطلان الإجارة، بل الظاهر عدم البطلان مع اشتراط التسليم أيضاً، فإنّ بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد الواقع فيه الشرط على الأظهر‌

مكارم الشيرازي: و لا يبعد الجواز في هذه الصورة؛ غاية الأمر أنّ المستأجر الأوّل خالف الشرط، فيوجب الخيار للمالك الموجر‌

(5). الگلپايگاني: الأحوط ترك الإجارة بالأكثر و لو كانت الاجرة من غير جنس الاجرة السابقة‌

(6). مكارم الشيرازي: لا دليل عليه، بل الأحوط عدم التفاضل بحسب القيمة‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 511‌

أيضاً فيما عدا البيت و الدار و الدكّان و الأجير، و أمّا فيها فإشكال (1)، فلا يُترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر (2)، بل الأحوط (3) إلحاق الرحى (4) و السفينة (5) بها أيضاً في ذلك. و الأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة و إن كان الأحوط الترك (6) فيها أيضاً، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلّا مع إحداث حدث فيها (7)؛ هذا، و كذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الاجرة، كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير و سكن بعضها و آجر البعض الآخر بأزيد من العشرة، فإنّه لا يجوز بدون إحداث (8) حدث، و أمّا لو آجر بأقلّ من العشرة فلا إشكال، و الأقوى الجواز بالعشرة أيضاً و إن كان الأحوط تركه.

مسألة 2: إذا تقبّل عملًا من غير اشتراط المباشرة و لا مع الانصراف إليها، يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبيّ، و لكنّ الأحوط (9) عدم تسليم متعلّق العمل كالثوب و نحوه إلى غيره من دون إذن المالك، و إلّا ضمن. و جواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع، كما مرّ نظيره (10) في العين المستأجرة، فيجوز له استيجار غيره لذلك العمل بمساوي الاجرة الّتي‌

______________________________
(1). الامام الخميني: بل الأقوى عدم الجواز‌

مكارم الشيرازي: لكن هناك قرائن متعدّدة في روايات الباب، تشعر بالكراهة أو تدلّ عليها و إن كان الأحوط ما ذكره؛ فراجع‌

(2). الخوئي: بل الأظهر ذلك، كما أنّ الأظهر ترك إجارتها بغير الجنس أيضاً إذا كانت الاجرة من النقود أو ما بحكمها‌

(3). الامام الخميني: و إن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة؛ و كذا الخان‌

الگلپايگاني: لا يُترك‌

(4). الخوئي: لا بأس بترك الاحتياط فيه‌

(5). مكارم الشيرازي: يجوز ترك هذا الاحتياط، لعدم دليل معتدّ به عليه‌

(6). الگلپايگاني: لا يُترك‌

(7). مكارم الشيرازي: إحداث الحدث في هذا الباب لا يشمل التغييرات فقط، بل لا يبعد كفاية نصب الأشياء المنقولة كالمبرّدات بل الأستار و الفرش أيضاً‌

(8). الامام الخميني: أو كون الاجرة من غير جنس الاجرة السابقة‌

(9). الگلپايگاني: لكن لا يجب مراعاته مع فرض عدم قيد المباشرة‌

(10). الامام الخميني: مرّ الكلام فيها. و جواز دفع متعلّق العمل على المؤجر لذلك العمل أيضاً لا يخلو من وجه، و الأحوط عدم الدفع إلى غير المؤجر‌

الخوئي: ما ذكرناه في العين المستأجرة يجري هنا بعينه‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 512‌

قرّرها في إجارته أو أكثر، و في جواز استيجار الغير بأقلّ من الاجرة إشكال (1)، إلّا أن يحدث حدثاً أو يأتي ببعض، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استيجار غيره لها بأقلّ منه، إلّا أن يفصله أو يخيط شيئاً منه و لو قليلًا، بل يكفي (2) أن يشتري الخيط أو الإبرة (3) في جواز الأقلّ؛ و كذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنةً أو صوم شهر (4) بعشر دراهم مثلًا في صورة عدم اعتبار المباشرة، يشكل (5) استيجار غيره (6) بتسعة مثلًا، إلّا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلًا.

مسألة 3: إذا استؤجر لعمل في ذمّته لا بشرط المباشرة، يجوز تبرّع الغير عنه و تفرغ ذمّته بذلك (7) و يستحقّ الاجرة المسمّاة؛ نعم، لو أتى بذلك العمل المعيّن غيره، لا بقصد التبرّع عنه، لا يستحقّ الاجرة المسمّاة و تنفسخ الإجارة (8) حينئذٍ لفوات المحلّ، نظير ما مرّ سابقاً من الإجارة على قلع السنّ فزال ألمه أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.

مسألة 4: الأجير الخاصّ و هو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر‌

______________________________
(1). الامام الخميني: الأقوى عدم الجواز‌

الخوئي: أظهره عدم الجواز، و لا يكفي إحداث الحدث هنا في جوازه‌

الگلپايگاني: و الأقوى عدم الجواز‌

(2). الامام الخميني: محلّ إشكال، بل منع‌

(3). الخوئي: هذا إذا اشتراه بماله؛ و أمّا إذا اشتراه بمال الأجير ففي كفايته إشكال، بل منع‌

مكارم الشيرازي: لا يخلو من إشكال، لأنّ المصرّح به في روايات الباب إحداث حدث في نفس مورد العمل‌

(4). مكارم الشيرازي: بناءً على جواز الاستيجار في هذه العبادات؛ و قد مرّ منّا الإشكال فيها في أبواب العبادات الاستيجاريّة‌

(5). الامام الخميني: و إن كان الجواز لا يخلو من وجه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط‌

(6). الخوئي: مرّ آنفاً أنّ عدم الجواز هو الأظهر‌

(7). مكارم الشيرازي: استحقاقه للُاجرة إنّما يتمّ إذا كان التبرّع باستدعائه أو إجازته، حتّى يكون عمله تسبيباً، لأنّ الفعل لا يعدّ فعله إلّا بالمباشرة أو التسبيب‌

(8). الخوئي: لا موجب للانفساخ إذا كان عمل غيره بعد مضيّ زمان كان الأجير متمكّناً من الإتيان به فيه، فإنّه يدخل حينئذٍ تحت عنوان التعذّر الطارئ و هو يوجب الخيار لا الانفساخ. و قد تقدّم الكلام في الإجارة على قلع الضرس إذا زال ألمه [في فصل في أحكام العوضين، المسألة 3]

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 513‌

في مدّة معيّنة أو على وجه تكون منفعته الخاصّة كالخياطة مثلًا له، أو آجر نفسه لعمل مباشرةً مدّة معيّنة أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدّة أو كليهما على وجه الشرطيّة لا القيديّة، لا يجوز له أن يعمل في تلك المدّة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع عملًا ينافي حقّ المستأجر إلّا مع إذنه. و مثل تعيين المدّة تعيين أوّل زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ؛ نعم، لا بأس بغير المنافي، كما إذا عمل البنّاء لنفسه أو لغيره في الليل (1)، فإنّه لا مانع منه إذا لم يكن موجباً لضعفه في النهار، و مثل إجراء عقد (2) أو إيقاع أو تعليم أو تعلّم في أثناء الخياطة و نحوها، لانصراف المنافع عن مثلها؛ هذا، و لو خالف و أتى بعمل منافٍ لحقّ المستأجر، فإن كانت الإجارة على الوجه الأوّل، بأن يكون جميع منافعه للمستأجر و عمل لنفسه في تمام المدّة أو بعضها، فللمستأجر أن يفسخ و يسترجع تمام الاجرة المسمّاة أو بعضها (3) أو يبقيها و يطالب عوض الفائت (4) من المنفعة بعضاً أو كلًاّ، و كذا إن عمل للغير تبرّعاً، و لا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرّع له بالعوض؛ سواء كان جاهلًا بالحال أو عالماً، لأنّ المؤجر هو الّذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير و إن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل (5)، إلّا إذا فرض على وجه يتحقّق معه صدق الغرور (6)، و إلّا فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجر، و إن كان عمل للغير بعنوان‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: إذا لم يكن الليل داخلًا في مدّة هذه الإجارة حتّى في الصورة الاولى‌

(2). الگلپايگاني: في غير الصورة الاولى؛ و أمّا فيها فلا يجوز له عمل له الماليّة؛ نعم، لا بأس بما لا يعدّ من المنافع عند العرف‌

(3). الخوئي: مرّ أنّ الفسخ إنّما يتعلّق بعقد الإجارة بتمامه، و عليه فلا وجه لاسترجاع بعض الاجرة‌

(4). الامام الخميني: أي اجرة مثل العمل الّذي عمله لنفسه أو لغيره، كما في الفرع التالي و كذا في نظائره‌

الگلپايگاني: بل له الأخذ بأكثر الأمرين منه و من عوض المنفعة الّتي استوفاها الأجير أو غيره و هو اجرة مثل ما أوقعه لنفسه أو لغيره‌

(5). الگلپايگاني: لا يبعد جواز مطالبة الغير بالعوض في تلك الصورة، لأنّ الآمر استوفى بأمره عمل الأجير بدون إذن مالكه يعني المستأجر فعليه عوضه، و تبرّع الأجير لا يؤثّر في ملك الغير‌

مكارم الشيرازي: الأمر بالعمل استيفاء للمنفعة، و هو من أسباب الضمان على الأقوى؛ و لو كان مغروراً يرجع إلى من غرّه؛ فالمستأجر يتخيّر بين امور ثلاثة: الفسخ و أخذ اجرة المثل من الأجير أو من الآمر‌

(6). الخوئي: ليس للمستأجر الرجوع على الآمر حتّى مع صدق الغرور، فإنّ المغرور هو الأجير دون المستأجر، و الأجير أيضاً لا يرجع إليه إذا كان متبرّعاً بعمله كما هو المفروض؛ نعم، إذا لم يكن متبرّعاً كما إذا غرّه الآمر و ادّعى أنّ المستأجر قد أذن بالعمل له فعمل له، كان للأجير أن يرجع إليه بأُجرة المثل‌

الگلپايگاني: بأن يدّعي الآمر الإذن أو الوكالة من المستأجر و يعتقده الأجير لحسن ظنّه به مثلًا، فيرجع الأجير حينئذٍ على الآمر على تقدير رجوع المستأجر إليه لو لم نقل بأنّ أمره استيفاء، كما مرّ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 514‌

الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك، و يكون له الاجرة المسمّاة في تلك الإجارة أو الجعالة، كما أنّ له الفسخ و الرجوع إلى الاجرة المسمّاة و له الإبقاء و مطالبة عوض المقدار الّذي فات، فيتخيّر بين الامور الثلاثة (1). و إن كانت الإجارة على الوجه الثاني و هو كون منفعته الخاصّة للمستأجر، فحاله كالوجه الأوّل، إلّا إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة و لم يكن من نوع العمل المستأجر عليه، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخياطيّ فآجر نفسه للغير للكتابة أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة، فإنّه ليس للمستأجر إجازة ذلك، لأنّ المفروض أنّه مالك لمنفعة الخياطيّ، فليس له إجازة العقد (2) الواقع على الكتابة، فيكون مخيّراً بين الأمرين من الفسخ و استرجاع الاجرة المسمّاة و الإبقاء و مطالبة عوض الفائت. و إن كانت على الوجه الثالث، فكالثاني (3)، إلّا أنّه لا فرق فيه في عدم صحّة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة مثلًا مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها، بل يملك عمل الخياطة في ذمّة المؤجر. و إن كانت على الوجه الرابع و هو كون اعتبار المباشرة أو المدّة المعيّنة على وجه الشرطيّة لا القيديّة، ففيه وجهان (4)؛

______________________________
(1). الگلپايگاني: بل له في هذا الفرض الأخذ بأكثر الأمرين منه و من عوض ما أتى للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة مخيّراً فيه بين الرجوع إليه أو إلى الغير مع صدق استيفائه له من دون غرور، فيتخيّر بين الخمسة‌

مكارم الشيرازي: بل بين امور أربعة: الفسخ، و مطالبة اجرة المثل من الأجير، و إمضاء الإجارة الثانية و أخذ مال الإجارة فيها، و الرجوع بأُجرة المثل إلى المستأجر الثاني؛ و دليله ما مرّ آنفاً‌

(2). الگلپايگاني: لكن له إسقاط حقّه فيصحّ العقد الواقع على الكتابة نظير إجازة المرتهن بين الراهن للعين المرهونة و يكون مال الإجارة للمؤجر لا للمجيز‌

(3). الگلپايگاني: و يجري فيه أيضاً ما ذكرنا في الثاني‌

(4). الامام الخميني: بل وجوه، أوجهها أوّل وجهي ما في المتن‌

الخوئي: الأوجه الثاني‌

مكارم الشيرازي: الأقوى هو الحاجة إلى الإجازة، لما مرّ من أنّ الاشتراط يوجب حقّاً للمستأجر، فلا يصحّ الإجارة بغير إذنه؛ و قد يقال أنّ هنا وجهاً ثالثاً و هو عدم صحّته حتّى مع الإجازة، بل لا بدّ بعد الإجازة من عقد جديد، و لكنّه ضعيف، كما لا يخفى وجهه‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 515‌

يمكن أن يقال بصحّة العمل (1) للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى الإجازة و إن لم يكن جائزاً من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غاية ما يكون أنّ للمستأجر خيار تخلّف الشرط؛ و يمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة، لأنّ الإجارة أو الجعالة منافية لحقّ الشرط، فتكون باطلة بدون الإجازة.

مسألة 5: إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة و لو مع تعيين المدّة أو من غير تعيين المدّة و لو مع اعتبار المباشرة، جاز عمله للغير و لو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه، لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله، لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير، لأنّ المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدّة؛ و دعوى أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل، ممنوعة (2)، مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل.

مسألة 6: لو استأجر دابّة لحمل متاع معيّن شخصي أو كلّي على وجه التقييد، فحملها (3) غير ذلك المتاع أو استعملها في الركوب، لزمه الاجرة المسمّاة و اجرة المثل (4) لحمل المتاع‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: و لعلّه الأقوى ما لم يرجع إلى تحديد المنفعة، و إلّا فكالسابقة‌

(2). الخوئي: لعلّه أراد من التعجيل التعجيل الحقيقي لا العرفيّ، فإنّ دعوى وجوبه لا تكون ممنوعة، و إلّا لكان العقد غرريّاً، و عليه فلا يكون منافياً لما تقدّم منه قدس سره من أنّ إطلاق العقد يقتضي التعجيل العرفي‌

الگلپايگاني: في بعض الموارد، لا مطلقاً. و قد تقدّم منه قدس سره أنّ الإطلاق يقتضي التعجيل مطلقاً‌

مكارم الشيرازي: إطلاق العقد قد ينصرف إلى التعجيل، و ذلك لعادة جارية أو مناسبة ظاهرة، و حينئذٍ يقتضي وجوب التعجيل؛ و المقامات مختلفة‌

(3). الامام الخميني: في الوقت الّذي استأجرها أو استعملها في الركوب كذلك‌

(4). الامام الخميني: بل الأقرب أنّه لم يلزمه إلّا الأجرة المسمّاة، و التفاوت بين اجرة المنفعة الّتي استوفاها و اجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان، فلو استأجرها بخمسة فركبها و كانت اجرة الركوب عشرة لزمته العشرة، و مع عدم الزيادة لم تلزمه إلّا الأجرة المسمّاة، و كذا الحال في نظائر المسألة‌

الگلپايگاني: بل الاجرة المسمّاة و مقدار فضل ما استوفاه فيما له فضل‌

مكارم الشيرازي: الإنصاف أنّه لا وجه لوجوب الاجرتين عند التخلّف عمّا عقد عليه الإجارة، بل يستقرّ عليه أكثر الأمرين، و ما ذكره من الدليل ضعيف جدّاً؛ و قوله: أنّ المستأجر بتفويته على نفسه و استعماله في غير ما يستحقّ كأنّه حصل له منفعة اخرى، جوابه مستتر فيه، لعدم إمكان ملكيّة منفعتين متضادّتين في عرض واحد؛ و الحاصل أنّه لا ينبغي الشكّ في استقرار أكثر الأمرين عليه، لما قد عرفت أنّ وجوب الاجرتين بعد عدم إمكان ملكيّة منفعتين متضادّتين بعيد جدّاً و مخالف للارتكاز العرفي، بل تخالفه صحيحة أبي ولّاد الدالّة على استقرار اجرة المثل فقط، الّذي كان أكثر الأمرين في مورد الرواية. و في المسألة وجوه اخر من استقرار اجرة المسمّى فقط كيف ما كان و اجرة المثل كذلك، و كلّها ساقطة لعدم الدليل‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 516‌

الآخر أو للركوب؛ و كذا لو استأجر عبداً للخياطة فاستعمله في الكتابة، بل و كذا لو استأجر حرّاً لعمل معيّن في زمان معيّن و حمله على غير ذلك العمل مع تعمّده و غفلة ذلك الحرّ (1) و اعتقاده أنّه العمل المستأجر عليه؛ و دعوى أن ليس للدابّة في زمان واحد منفعتان متضادّتان، و كذا ليس للعبد في زمان واحد إلّا إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة، فكيف يستحقّ اجرتين؟ مدفوعة بأنّ المستأجر بتفويته على نفسه (2) و استعماله في غير ما يستحقّ كأنّه حصل له منفعة اخرى (3).

مسألة 7: لو آجر نفسه للخياطة مثلًا في زمان معيّن، فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنّه غير العمل المستأجر عليه، لم يستحقّ شيئاً (4)؛ أمّا الاجرة المسمّاة فلتفويتها على نفسه (5) بترك الخياطة، و أمّا اجرة المثل للكتابة مثلًا فلعدم كونها مستأجراً عليها، فيكون كالمتبرّع بها، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها (6) و لو كان مشتبهاً غير متعمّد، خصوصاً‌

______________________________
(1). الخوئي: بل الأمر كذلك مع التفات الحرّ و غفلة المستأجر إذا لم يكن الأجير قاصداً للإتيان بالعمل مجّاناً‌

(2). الخوئي: بل مدفوعة بعدم المانع من ملكيّة المنفعتين المتضادّتين، على ما حقّقناه في محلّه‌

(3). الگلپايگاني: لكنّه لا يملك منفعتين متضادّتين جمعاً في عرض واحد حتّى يستحقّ العوض لأحدهما بالعقد و للآخر بالاستيفاء؛ نعم، لو كانت اجرة ما استوفاه زائدة عمّا وقع عليه العقد، له مطالبة الزيادة كما مرّ‌

(4). الگلپايگاني: هذا إذا فسخ المستأجر، و لكن له أن لا يفسخ؛ و حينئذٍ فللأجير الاجرة المسمّاة و عليه عوض الفائت‌

(5). الخوئي: مرّ أنّ التفويت لا يوجب بطلان الإجارة، بل المستأجر مخيّر بين الفسخ و مطالبة قيمة العمل المستأجر عليه؛ و به يظهر الحال في المسألة الآتية‌

(6). مكارم الشيرازي: هذا هو الحقّ؛ و التعبير بقوله: يمكن ... لا وجه له إلّا أن يكون مغروراً من ناحية المستأجر، فإنّه يستحقّ اجرة المثل حينئذٍ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 517‌

مع جهل المستأجر بالحال.

مسألة 8: لو آجر دابّته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه و حملها متاع عمرو، لم يستحقّ الاجرة على زيد (1) و لا على عمرو.

مسألة 9: لو آجر دابّته من زيد مثلًا فشردت قبل التسليم إليه أو بعده (2) في أثناء المدّة، بطلت الإجارة (3)، و كذا لو آجر عبده فأبق؛ و لو غصبهما غاصب، فإن كان قبل التسليم فكذلك، و إن كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، و يحتمل التخيير (4) بين الرجوع على الغاصب و بين الفسخ (5) في الصورة الاولى و هو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.

مسألة 10: إذا آجر سفينته لحمل الخلّ مثلًا من بلد إلى بلد، فحملها المستأجر خمراً (6)، لم يستحقّ (7) المؤجر إلّا الأجرة المسمّاة و لا يستحقّ اجرة المثل لحمل الخمر، لأنّ أخذ الاجرة عليه حرام، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة. لا يقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة و حملها خمراً كان اللازم عدم‌

______________________________
(1). الگلپايگاني: هذا إذا فسخ زيد، و لكن له أن لا يفسخ؛ فعلى الأجير عوض الفائت و له الاجرة المسمّاة، كما مرّ‌

(2). الامام الخميني: إذا لم يكن تقصير من المستأجر في حفظها المتعارف؛ و كذا في العبد‌

(3). الخوئي: بالإضافة إلى المدّة الباقية؛ و للمستأجر الخيار بالإضافة إلى ما مضى‌

(4). الامام الخميني: هذا هو الأقوى‌

الخوئي: هذا هو المتعيّن. و الفرق بين المقام و ما تقدّم من تعيّن الرجوع على الظالم في بعض صور منعه يظهر بالتأمّل‌

الگلپايگاني: و هو الأقوى‌

(5). مكارم الشيرازي: و هذا هو الأقوى، لأنّه يملك بالعقد؛ و أمّا تسليم العين، فهو شرط لوجوب تسليم الثمن، فلو رضي بدون التسليم لم يكن هناك مانع؛ و من الجدير بالذكر، أنّ ما ذكره هنا ينافي ما أفاده في الفصل الثالث‌

(6). مكارم الشيرازي: عدم استحقاق أكثر من الاجرة المسمّاة ممنوع إذا حمل أكثر بحسب الكميّة أو الكيفيّة، لأنّه أتلف منفعة زائدة على المسمّاة من المالك، فهو ضامن، فيقدر كونه متاعاً حلالًا و تحسب الاجرة؛ نعم، لو كان للخمر بما هو خمر اجرة زائدة، لا يستحقّها قطعاً‌

(7). الامام الخميني: بل يستحقّ مضافاً إلى الاجرة المسمّاة التفاوت بينها و بين اجرة المثل على فرض زيادتها على المسمّاة، كما مرّ‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 518‌

استحقاق المالك اجرة المثل، لأنّ اجرة حمل الخمر حرام، لأنّا نقول: إنّما يستحقّ المالك اجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدّة، و في المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة، لأنّه أعطاه الاجرة المسمّاة لحمل الخلّ بالفرض.

مسألة 11: لو استأجر دابّة معيّنة من زيد للركوب إلى مكان، فاشتبه و ركب دابّة اخرى له، لزمه (1) الاجرة المسمّاة للُاولى (2) و اجرة المثل للثانية (3)؛ كما إذا اشتبه فركب دابّة عمرو، فإنّه يلزمه اجرة المثل لدابّة عمرو و المسمّاة لدابّة زيد، حيث فوّت منفعتها على نفسه.

مسألة 12: لو آجر نفسه لصوم يوم معيّن عن زيد مثلًا ثمّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو، لم تصحّ الإجارة الثانية، و لو فسخ الاولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها (4)، بل و لو أجازها (5) ثانياً، بل لا بدّ له من تجديد العقد، لأنّ الإجازة كاشفة (6) و لا يمكن الكشف هنا، لوجود المانع حين الإجارة، فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك، بل أشكل (7).

______________________________
(1). الامام الخميني: مع كون الدابّة مسلّمة إليه أو تحت اختياره؛ و كذا في الفرع التالي‌

(2). الگلپايگاني: مع تسليم صاحب الدابّة لها و تمكينه منها مدّة يمكنه الاستيفاء‌

(3). مكارم الشيرازي: هذا إذا كانت تحت اختياره إلى آخر المدّة، كما هو ظاهر‌

(4). الگلپايگاني: بل لا يبعد الصحّة إذا فسخ الاولى أو أقالها، و كذا مع الإجازة؛ و يكون مال الإجارة للأجير، لا للمجيز. و قد مرّ نظيره‌

(5). مكارم الشيرازي: على الأحوط؛ و ما ذكره من أنّه أشكل من مسألة من باع ثمّ ملك، إنّما هو من ناحية عدم وجود من يصلح للإجازة هنا بالنسبة إلى الإجازة الثانية، بخلاف البيع، فإنّ من يصلح للإجازة فيه موجود على كلّ حال‌

(6). الامام الخميني: كونها كاشفة محلّ تأمّل و إشكال و إن كان البطلان كما ذكره لا يخلو من وجه‌

(7). الخوئي: وجه الإشكال أنّ المعاملة في مسألة من باع شيئاً ثمّ ملك قابلة للإجازة من المالك الواقعي حين حدوثها، و في المقام الإجارة الثانية غير قابلة للإجازة من أحد حين وقوعها؛ هذا، و لكنّ الصحيح بناءً على ما ذكرناه سابقاً من أنّ المنافع المتضادّة مملوكة جميعاً فالمقتضي لصحّة الإجارة الثانية موجود و هو ملك المؤجر المنفعة المستأجر عليها في الإجارة الثانية، و لكنّ المانع و هو المزاحمة و عدم إمكان استيفاء كلتا المنفعتين متوفّر، فإذا افترضنا رفع المانع بالإقالة أو الفسخ فلا مانع من الحكم بصحّة الإجارة المزبورة من دون حاجة إلى الإجازة، فيكون المقام نظير نكاح العبد بدون إذن مولاه‌

العروة الوثقى مع التعليقات، ج‌2، ص: 519‌

Begin WebGozar.com Counter code End WebGozar.com Counter code