و أمّا حصّة الإمام فيصرف في كلّ أمر يحرز به
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 250
رضاه، من إقامة الشعائر و نشر الإسلام و حفظ الحوزات العلميّة، و صلة الأصناف الثلاثة من السادة و غيرهم من أهل الفقر و الصلاح، مع رعاية الأهمّ فالأهمّ، كما اشتهر بين المعاصرين، (و هو المختار عندنا).
و دليله: أمّا بالنسبة إلى صرف حصّة الأصناف إليهم، فممّا لا ينبغي الشكّ فيه؛ لأنّ اللّٰه وضعها لهم و لسدّ خلّتهم و رفع حوائجهم، مع منعهم من الزكاة؛ و من المعلوم أنّ غيبة الإمام (أرواحنا له الفداء) لا يمنع عن إيصال حقّهم إليهم و تركهم محرومين من الخمس و الزكاة جميعاً؛ بل الإمام عليه السلام إمّا وكيلهم أو وليّهم في ذلك، و مهما كان لا يوجب ذلك سقوط حقّهم؛ بل يجب قيام نوّابه مقامه في ذلك؛ أو نقول بجواز دفع المالكين إليهم بلا حاجة إلى إذن الفقيه، كما قوّيناه في محلّه؛ و أمّا بالنسبة إلى سهمه عليه السلام فإيضاحه يحتاج إلى مقدّمة مهمّة نافعة، و هي:
لا شكّ أنّ سهم الإمام من الخمس إنّما هو من حقوق منصبه عليه السلام، لا من مئونة شخصه؛ لوضوح عدم حاجته عليه السلام إلى هذه الأموال الخطيرة العظيمة بشخصه؛ لكنّه بما هو إمام للمسلمين، و يرفع إليه حوائجهم، و بما أنّه رئيسهم و زعيمهم و حاكمهم، يحتاج إلى مئونة كثيرة يستلزمها هذا المقام السامي؛ و هذه المئونة كثيرة جدّاً في جنب الحاجات الّتي تكون إلى جانبها؛ فليس سهم الإمام عليه السلام مالًا شخصيّاً حتّى يعامل معه معاملة أموال الغيّب.
ثمّ إنّ من المعلوم أنّه لا يجوز تعطيل جميع أحكام الدين بغيبته- عجّل اللّٰه تعالى فرجه الشريف-، بل يجب على المسلمين العمل بها و إقامتها مهما أمكن، و إذا احتاج ذلك إلى بيت المال، لا بدّ من تحصيله من طرق قرّرها الشرع بأيدي نوّابه العامّة؛ و تعطيل سهمه عليه السلام يوجب تعطيل جميع ما كان يصرفه إليه في مقامه، من إقامة حدود الدين و تعظيم شعائره و نشر أحكامه؛ فهل يرضى هو عليه السلام بذلك؟
و من جانب آخر، من الضروري أنّه لا بدّ أن تكون الحكومة الإسلاميّة بأيدي المسلمين لا بأيدي غيرهم، و لا بدّ لهم من إمام من أنفسهم، و أحقّ الناس بهذا- على ما يستفاد من أدلّة كثيرة- هم علماء الدين و فقهاء المسلمين، الجامعون للشرائط المقرّرة في محلّها، (و هو المراد من ولاية الفقيه المشهورة بيننا)؛ و من الواضح أنّهم في هذا المقام يحتاجون إلى مئونة كثيرة، و يكون سهم الإمام عليه السلام من الخمس بعض هذه المئونة.
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 251
و إذا قد عرفت هذا، فاعلم: إنّ الواجب قيام نوّابه عليه السلام بهذه المهمّة بمقدار الإمكان، و صرف سهمه فيما كان يصرفه عادة لو كان هو بيننا؛ و عند الشكّ لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن من موارد يرضاها من مصارفها.
كما أنّ من المعلوم إنّ ذلك لا يختصّ بتكميل حصّة الأصناف من السادة فقط، و إلّا يوجب تعطيل ساير وظائفه عليه السلام بما هو إمام المسلمين؛ و أمّا دفنه أو إلقائه في البحر، فهو كلام لا ينبغي التفوّه به، كحفظه و إيداعه؛ فإنّه لا معنى لها مع وجود مصارفها، بعد أن لم يكن ملكاً شخصيّاً، مضافاً إلى ما فيها من استعراضها للتلف قطعاً؛ و لا زالت الحوزات العلميّة- بما فيها من الحركة و النشاط و نشر أحكام الإسلام- تقوم بسهمه عليه السلام بحيث لولاه آل أمرهم إلى الفشل من هذه الناحية، أو صار سبباً لسيطرة الجبابرة عليهم.
________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، العروة الوثقى مع التعليقات، دو جلد، انتشارات مدرسه امام على بن ابى طالب عليه السلام، قم - إيران، اول، 1428 ه ق
العروة الوثقى مع التعليقات؛ ج2، ص: 251
و يدلّ على ما ذكرنا، جميع ما ورد في أبواب الخمس من أنّه إذا ظهر القائم عليه السلام يأخذ الخمس عن الجميع؛ و كذا ما دلّ على أنّ الخمس عون لهم: على دينهم و عرضهم و حفظ مواليهم، (الحديث 2، من الباب 3، من الأنفال)؛ و غير ذلك من الأحاديث و الاعتبارات العقليّة.
(اللّهم عجّل له الفرج و اجعلنا من أعوانه و أنصاره بحقّ محمّد و آله صلى الله عليه و آله)
العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 253